حوار مع الشاعر عبد الحميد شوقي
Page 1 sur 1
حوار مع الشاعر عبد الحميد شوقي
حوار مع الشاعر عبد الحميد شوقي
"دعوني أرى العالم بشهوة عاشقة وشغب طفل وتواضع بوذي وجمال دونجوان أنيق."
"المبدع هو أول ناقد ومنظر للمجال الذي يشتغل فيه.."
..لنتابع الحوار التالي:
* إذا قلبنا أوراق تاريخك ما الذي سنصادفه ؟
لن تجدي غير فتى محروق بالحياة وعدتْه الأقدار بالقصيدة كي تغطي على يتمه التاريخي. فتى كبُر في بلدة منسية وهامشية لم يمنحها التاريخ نبض العتاقة وعمق الأساطير التي تخلد عبق المكان وشموخ الأبطال واسترسال الحكايات.
* يقال إن الشاعر لا يسكن الوطن بل يسكن الوهم... أليس الشاعر صوتا وضميرا لوطنه ؟
لا أعتقد أن للشاعر وطنا بحدود جغرافية ووحدة ترابية وجيش نظامي.. وطن الشاعر لا ينفصل عما تنحته قصائده من آفاق وامتداد في عمق الإنسان أينما كان.. لقد حاولت ما أمكن أن أجعل شعري ينسلخ عن كل وطن يمثل هوية ثابتة وقارة ومغلقة.. أجد الوطن في مشهد سقوط المطر... في تبلل الأرصفة.. في شغب الأطفال أمام المدارس.. في عبور الدواب يوميا أمام بيتي.. في صخب المتقاعدين وهم يلعبون الضامة.. هذه التفاصيل الصغيرة تمثل بالنسبة لي نبض الحياة وعنفوان النهار وتمثل مياها جوفية لقصائدي.. ولذلك لا يمكنني أن أدعي أنني أمثل صوتا وضميرا لوطني إن كان ذلك يعني أن أردد هتافات الآخرين وأعتنق تمثلات تتجاوز عمري ولم أتدخل أبدا في تشكيلها.
* هل تؤمن بانبعاث وطن تتآكله الجروح و يغرق في ضماداته ؟
يجب أن نعرف أنه لا وطن من دون جروح.. ولا جروح من دون بحث عن ضمادات.. وعندما نتحدث عن الانبعاث فمعناه أننا نتحدث عن شيء على سرير الموت ونريد بعثه. وأنا أعتقد أنه لا يوجد وطن يحتضر.. قد يكون ذلك على المستوى السياسي أو الاستراتيجي.. لكن الوطن الذي ينحاز له الشاعر منحوت في حفيف الأشجار وفي كلام الناس وعلى مداخل الوجدانات التي لا تجد في عزلتها غير ما يمنحها القدرة على الحياة.. وهذا الوطن ليس معطى جاهزا يردده النشيد الوطني أو محفوظات الابتدائي والخطابات الرسمية... بل هو تجربة في المغامرة والحرية والتسامح تبنى باستمرار... والشعر هو أحد تجلياتها الجميلة.
* أي علاقة ممكنة بين الإبداع الأدبي والنقد بأبعاده الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة؟
أعتقد أننا بصدد فهم مغلوط للإبداع الأدبي.. ليس هناك فصل بين الإبداع والنقد.. لسبب بسيط وهو أن المبدع هو أول ناقد ومنظر للمجال الذي يشتغل فيه.. لا يمكنني أن أتصور شاعرا أو روائيا أو مسرحيا لا دراية له أولا بتاريخ الشعر أو الرواية أو المسرح ولا معرفة له بالتيارات الفكرية والنقدية التي أفرزها هذا التاريخ.. البعد النقدي النظري هنا لا يعني سوى شيء واحد وهو العمق الفكري والممكن المعرفي للمبدع.. وإلا ما الذي ستقدمه نصوصه؟ ومن أين يمتح رؤيته للعالم ورؤيته لبناء القصيدة وخصوصية أدواتها والوعي بحدود قاموسه والعمل على تطويره لتطوير التجربة الإبداعية بصفة عامة.. ولا يمكنني أن أتصور نقدا أو تنظيرا منفصلا عن شروطه الاجتماعية والسياسية... لا يمكن للإبداع الأدبي أن يقفز فوق العصور بلغة هيجل.. لكن السياق السياسي هنا هو سياق أوسع من الدلالة الحزبية الضيقة التي تجعلنا نتخندق ضمن أدبيات ومشاريع حزب معين... وأوسع من الانتظارات الاجتماعية لعموم الناس التي يحكمها اليومي وهموم الخبز والشغل.. البعد الثقافي للمبدع هو قبل كل شيء يوتوبيا تنتصر للمستقبل وتنحاز للحياة وتؤكد على كونية الإنسان وأوليته على أي معتقد.
* كيف نقرن بين أسئلة الثقافة و أسئلة النقد ؟
دعيني أسألك : ما هي أسئلة النقد في نهاية المطاف ؟ أليس وعيا وتنظيرا لأسئلة الثقافة ؟ وما هي أسئلة الثقافة ؟ أليست هي أفق القلق الذي يعبر عنه النقاد ؟ الثقافة تفرز أسئلتها التي يتلقفها الناقد ليرفعها إلى درجة الوعي ويؤسسها وفق سياق معرفي محدد. ألم يكن دوستويفسكي أكبر ناقد وهو يتلقى أسئلة الثقافة القيصرية في عهد الإصلاح حيث جعل روسيا القيصرية تعي عبر تنظيراته بؤرة توترها في قضية أساسية ومفصلية وتشكل منطلق الأنتلجنتسيا الروسية وهي : في الوقت الذي يضيع فيه الروس وقتا ثمينا في أمور تافهة، تحقق شعوب أخرى كالألمان والفرنسيين والأنجليز أعمالا كبيرة تجعلهم يدخلون بوابة الحداثة والتصنيع والتنظيم السياسي. وهذا ما سيمثل منطلق الثوريين البلشفيين في ثورة 1917.
*
"دعوني أرى العالم بشهوة عاشقة وشغب طفل وتواضع بوذي وجمال دونجوان أنيق."
"المبدع هو أول ناقد ومنظر للمجال الذي يشتغل فيه.."
..لنتابع الحوار التالي:
* إذا قلبنا أوراق تاريخك ما الذي سنصادفه ؟
لن تجدي غير فتى محروق بالحياة وعدتْه الأقدار بالقصيدة كي تغطي على يتمه التاريخي. فتى كبُر في بلدة منسية وهامشية لم يمنحها التاريخ نبض العتاقة وعمق الأساطير التي تخلد عبق المكان وشموخ الأبطال واسترسال الحكايات.
* يقال إن الشاعر لا يسكن الوطن بل يسكن الوهم... أليس الشاعر صوتا وضميرا لوطنه ؟
لا أعتقد أن للشاعر وطنا بحدود جغرافية ووحدة ترابية وجيش نظامي.. وطن الشاعر لا ينفصل عما تنحته قصائده من آفاق وامتداد في عمق الإنسان أينما كان.. لقد حاولت ما أمكن أن أجعل شعري ينسلخ عن كل وطن يمثل هوية ثابتة وقارة ومغلقة.. أجد الوطن في مشهد سقوط المطر... في تبلل الأرصفة.. في شغب الأطفال أمام المدارس.. في عبور الدواب يوميا أمام بيتي.. في صخب المتقاعدين وهم يلعبون الضامة.. هذه التفاصيل الصغيرة تمثل بالنسبة لي نبض الحياة وعنفوان النهار وتمثل مياها جوفية لقصائدي.. ولذلك لا يمكنني أن أدعي أنني أمثل صوتا وضميرا لوطني إن كان ذلك يعني أن أردد هتافات الآخرين وأعتنق تمثلات تتجاوز عمري ولم أتدخل أبدا في تشكيلها.
* هل تؤمن بانبعاث وطن تتآكله الجروح و يغرق في ضماداته ؟
يجب أن نعرف أنه لا وطن من دون جروح.. ولا جروح من دون بحث عن ضمادات.. وعندما نتحدث عن الانبعاث فمعناه أننا نتحدث عن شيء على سرير الموت ونريد بعثه. وأنا أعتقد أنه لا يوجد وطن يحتضر.. قد يكون ذلك على المستوى السياسي أو الاستراتيجي.. لكن الوطن الذي ينحاز له الشاعر منحوت في حفيف الأشجار وفي كلام الناس وعلى مداخل الوجدانات التي لا تجد في عزلتها غير ما يمنحها القدرة على الحياة.. وهذا الوطن ليس معطى جاهزا يردده النشيد الوطني أو محفوظات الابتدائي والخطابات الرسمية... بل هو تجربة في المغامرة والحرية والتسامح تبنى باستمرار... والشعر هو أحد تجلياتها الجميلة.
* أي علاقة ممكنة بين الإبداع الأدبي والنقد بأبعاده الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة؟
أعتقد أننا بصدد فهم مغلوط للإبداع الأدبي.. ليس هناك فصل بين الإبداع والنقد.. لسبب بسيط وهو أن المبدع هو أول ناقد ومنظر للمجال الذي يشتغل فيه.. لا يمكنني أن أتصور شاعرا أو روائيا أو مسرحيا لا دراية له أولا بتاريخ الشعر أو الرواية أو المسرح ولا معرفة له بالتيارات الفكرية والنقدية التي أفرزها هذا التاريخ.. البعد النقدي النظري هنا لا يعني سوى شيء واحد وهو العمق الفكري والممكن المعرفي للمبدع.. وإلا ما الذي ستقدمه نصوصه؟ ومن أين يمتح رؤيته للعالم ورؤيته لبناء القصيدة وخصوصية أدواتها والوعي بحدود قاموسه والعمل على تطويره لتطوير التجربة الإبداعية بصفة عامة.. ولا يمكنني أن أتصور نقدا أو تنظيرا منفصلا عن شروطه الاجتماعية والسياسية... لا يمكن للإبداع الأدبي أن يقفز فوق العصور بلغة هيجل.. لكن السياق السياسي هنا هو سياق أوسع من الدلالة الحزبية الضيقة التي تجعلنا نتخندق ضمن أدبيات ومشاريع حزب معين... وأوسع من الانتظارات الاجتماعية لعموم الناس التي يحكمها اليومي وهموم الخبز والشغل.. البعد الثقافي للمبدع هو قبل كل شيء يوتوبيا تنتصر للمستقبل وتنحاز للحياة وتؤكد على كونية الإنسان وأوليته على أي معتقد.
* كيف نقرن بين أسئلة الثقافة و أسئلة النقد ؟
دعيني أسألك : ما هي أسئلة النقد في نهاية المطاف ؟ أليس وعيا وتنظيرا لأسئلة الثقافة ؟ وما هي أسئلة الثقافة ؟ أليست هي أفق القلق الذي يعبر عنه النقاد ؟ الثقافة تفرز أسئلتها التي يتلقفها الناقد ليرفعها إلى درجة الوعي ويؤسسها وفق سياق معرفي محدد. ألم يكن دوستويفسكي أكبر ناقد وهو يتلقى أسئلة الثقافة القيصرية في عهد الإصلاح حيث جعل روسيا القيصرية تعي عبر تنظيراته بؤرة توترها في قضية أساسية ومفصلية وتشكل منطلق الأنتلجنتسيا الروسية وهي : في الوقت الذي يضيع فيه الروس وقتا ثمينا في أمور تافهة، تحقق شعوب أخرى كالألمان والفرنسيين والأنجليز أعمالا كبيرة تجعلهم يدخلون بوابة الحداثة والتصنيع والتنظيم السياسي. وهذا ما سيمثل منطلق الثوريين البلشفيين في ثورة 1917.
*
Dernière édition par Admin le Mar 18 Déc - 23:50, édité 1 fois
Re: حوار مع الشاعر عبد الحميد شوقي
هل هناك إرادة عربية لمساءلة الثقافة و تفعيل دورها في التنمية؟
سبق لأدونيس أن قال إن الأمة العربية مهددة بالانقراض من حيث هي أمة منتجة ومبدعة لسبب يبدو بسيطا وعميقا في ذات الوقت وهو أن العرب ربما يشكلون الأمة الوحيدة التي لا مشكلة لديها ما دام فكرها مرهون للمقدس الذي يجيب عن كل شيء. كلما سألت عربيا إلا ووجدته يبحث عن الخلاص والسكينة والطمأنينة... وهذه بالضبط هي عوائق الفكر الحقيقي المنتج.. الثقافة هي أولا وقبل كل شيء قلق وسؤال وأجوبة متغيرة باستمرار وتعرية للذات ضدا على كل عاطفة تاريخية أو وحدة وهمية.. ما دام العرب يعتبرون الثقافة خارج كل تنمية ويصرون على استيراد التقنية معزولة عن سياقها الفكري والعلمي الحداثي ويحشرون الغرب في بعد مادي مقابل شرق روحي، فلن ينتعش لدينا تحليل نفس حقيقي أو فلسفة حقيقية أو إبداع حقيقي. تأملي تجربة أمريكا اللاتينية ستجدين أنها تجربة غنية بالنسبة لنا نحن المصنفين في خانة الشعوب المتأخرة، لأنها لم تفصل بين الثقافي والتقني.. كل شيء يتأسس على الثقافة.. وربما يمكنني أن أزعم بأن الثورات الديموقراطية في أمريكا اللاتينية أصغت بكثير من الاحترام لكتابات بورخيس وماركيز وكورتزار وأمادو التي راهنت على وطن أكثر رحابة من الأنظمة الموروثة عن الزمان الكولونيالي .
* في الشعر تتوازى الظواهر و الأسئلة و ينتفي البياض لميلاد جديد مع كل كل نبضة حرف ...هل ما زال الشعر العربي قادرا على تحقيق الخلود ؟
لست أدري ماذا تقصدين بالخلود الذي يمكن للشعر أن يحققه.. سنكون واهمين إن اعتقدنا أن للشعر قدرة خارقة يمكنها أن تفعل شيئا. لكني بكل كبرياء سأقول لك إن أهم درس يعلمنا إياه الشعر مثلما تعلمنا إياه الفلسفة هو درس الحياة. كل قصيدة حقيقية هي بمثابة شارة صليب على صدر راهب لتوديع شيء واستقبال شيء آخر.. وبلغة نيتشه يمكنني القول إن الشعر هو بمثابة عودة أبدية للحياة في كل ثانية وفي كل نبضة.. ما الذي تبقى من السياب كشخص ؟ لا شيء ... لكننا أبدا سنظل محتفظين في أعماقنا بذلك النبض الحي والمائي والحركي الذي تمثله " أنشودة المطر " .. حيث النخيل والسحر والمطر والعيون والأطفال والسواقي وتاريخ العراق.. إنها " جلجامش جديدة من حيث هذا الإصرار على البحث عن أية صدفة تجعلنا منبهرين بالحياة.
* هل تؤمن بالكتابة نايا أم منشارا أم عصا أو غير ذلك ؟
لا أومن سوى بكتابة لا تتنازل عن جدارتها في ابتكار الحياة خفقة بخفقة. كتابة تشبه طفلا يلعب في عز الظهيرة الحارقة غير خائف إلا من انتهاء القيلولة واستيقاظ الكبار بأصواتهم القاسية. لكنها كتابة لا تتنازل كذلك عن كبريائها الجمالي والفكري وتمنعها عن الابتذال والانبطاح. يكون فيها الشاعر شخصا عاديا وليس متنبئا.. ويكون مثقفا وليس عاميا.. ويكون أكثر قساوة اتجاه ما يمكن أن تمثله تجربته من تنطع فارغ. لا يطالب الشاعر سوى بامتياز بسيط : دعوني أرى العالم بشهوة عاشقة وشغب طفل وتواضع بوذي وجمال دونجوان أنيق.
* هل تنفع الحروف لتحصين الروح ؟
من أي شيء ستتحصن الروح ؟ أولا لا يمكنني تصور روح خالصة غير مخالطة لجسدها المادي. والروح لا تعبر سوى عن رؤية الجسد لذاته. كلما كان الجسد بئيسا كلما طالب بروح بئيسة... وكلما كان الجسد شبِقا ومندفعا ومعتزا بعنفوان فروسيته كلما طالب بروح مغامرة وأبيقورية.. ولذلك لا يمكن للحروف إلا أن تكون انعكاسا لهذه العلاقة بين الروح والجسد. لو تأملت تجربة أبي نواس ستجدين أنك أمام شاعر فرض نفسه حتى على حراس العقيدة لأن شعره كان يمثل انكشافا لحقيقة بسيطة وهي حقيقة الجسد.. من يذكر أشعار أبي نواس الصوفية عندما أحس بدنو الموت ؟ ربما المختصون فقط.. لكن التاريخ لن يحتفظ سوى بخمرياته وإباحياته ومغامراته الماجنة التي ليست في النهاية سوى تحايل الجسد على الفضاء الشرعي للتعبير عن ذاته.
*/*/*/*/*/*
نبذة عن الشاعر:
الاسم : عبد الحميد شوقي
تاريخ ومكان الميلاد : 28-12-1960 –بتيفلت ( بلدة صغيرة شرقي الرباط بحوالي 55 كلم ) المهنة : أستاذ مادة الفلسفة بالثانوي التأهيلي بمدينة تيفلت الجنسية
متزوج وأب لطفلين : أيمن (18 سنة )- هديل ( 10 سنوات)
الشهادات المحصل عليها :- الإجازة في الفلسفة –تخصص فلسفة عامة – كلية الآداب بالرباط - دبلوم كلية علوم التربية –تخصص منهجية تدريس الفلسفة- كلية علوم التربية بالرباط
. الإصدارات :
ديوان :" كنت أهيئ صمت الانتظار " 2009
: * الرواية : : - خراب الحلم – الموت في رابينة - الموتى لا يعودون في المساء - سدوم
سبق لأدونيس أن قال إن الأمة العربية مهددة بالانقراض من حيث هي أمة منتجة ومبدعة لسبب يبدو بسيطا وعميقا في ذات الوقت وهو أن العرب ربما يشكلون الأمة الوحيدة التي لا مشكلة لديها ما دام فكرها مرهون للمقدس الذي يجيب عن كل شيء. كلما سألت عربيا إلا ووجدته يبحث عن الخلاص والسكينة والطمأنينة... وهذه بالضبط هي عوائق الفكر الحقيقي المنتج.. الثقافة هي أولا وقبل كل شيء قلق وسؤال وأجوبة متغيرة باستمرار وتعرية للذات ضدا على كل عاطفة تاريخية أو وحدة وهمية.. ما دام العرب يعتبرون الثقافة خارج كل تنمية ويصرون على استيراد التقنية معزولة عن سياقها الفكري والعلمي الحداثي ويحشرون الغرب في بعد مادي مقابل شرق روحي، فلن ينتعش لدينا تحليل نفس حقيقي أو فلسفة حقيقية أو إبداع حقيقي. تأملي تجربة أمريكا اللاتينية ستجدين أنها تجربة غنية بالنسبة لنا نحن المصنفين في خانة الشعوب المتأخرة، لأنها لم تفصل بين الثقافي والتقني.. كل شيء يتأسس على الثقافة.. وربما يمكنني أن أزعم بأن الثورات الديموقراطية في أمريكا اللاتينية أصغت بكثير من الاحترام لكتابات بورخيس وماركيز وكورتزار وأمادو التي راهنت على وطن أكثر رحابة من الأنظمة الموروثة عن الزمان الكولونيالي .
* في الشعر تتوازى الظواهر و الأسئلة و ينتفي البياض لميلاد جديد مع كل كل نبضة حرف ...هل ما زال الشعر العربي قادرا على تحقيق الخلود ؟
لست أدري ماذا تقصدين بالخلود الذي يمكن للشعر أن يحققه.. سنكون واهمين إن اعتقدنا أن للشعر قدرة خارقة يمكنها أن تفعل شيئا. لكني بكل كبرياء سأقول لك إن أهم درس يعلمنا إياه الشعر مثلما تعلمنا إياه الفلسفة هو درس الحياة. كل قصيدة حقيقية هي بمثابة شارة صليب على صدر راهب لتوديع شيء واستقبال شيء آخر.. وبلغة نيتشه يمكنني القول إن الشعر هو بمثابة عودة أبدية للحياة في كل ثانية وفي كل نبضة.. ما الذي تبقى من السياب كشخص ؟ لا شيء ... لكننا أبدا سنظل محتفظين في أعماقنا بذلك النبض الحي والمائي والحركي الذي تمثله " أنشودة المطر " .. حيث النخيل والسحر والمطر والعيون والأطفال والسواقي وتاريخ العراق.. إنها " جلجامش جديدة من حيث هذا الإصرار على البحث عن أية صدفة تجعلنا منبهرين بالحياة.
* هل تؤمن بالكتابة نايا أم منشارا أم عصا أو غير ذلك ؟
لا أومن سوى بكتابة لا تتنازل عن جدارتها في ابتكار الحياة خفقة بخفقة. كتابة تشبه طفلا يلعب في عز الظهيرة الحارقة غير خائف إلا من انتهاء القيلولة واستيقاظ الكبار بأصواتهم القاسية. لكنها كتابة لا تتنازل كذلك عن كبريائها الجمالي والفكري وتمنعها عن الابتذال والانبطاح. يكون فيها الشاعر شخصا عاديا وليس متنبئا.. ويكون مثقفا وليس عاميا.. ويكون أكثر قساوة اتجاه ما يمكن أن تمثله تجربته من تنطع فارغ. لا يطالب الشاعر سوى بامتياز بسيط : دعوني أرى العالم بشهوة عاشقة وشغب طفل وتواضع بوذي وجمال دونجوان أنيق.
* هل تنفع الحروف لتحصين الروح ؟
من أي شيء ستتحصن الروح ؟ أولا لا يمكنني تصور روح خالصة غير مخالطة لجسدها المادي. والروح لا تعبر سوى عن رؤية الجسد لذاته. كلما كان الجسد بئيسا كلما طالب بروح بئيسة... وكلما كان الجسد شبِقا ومندفعا ومعتزا بعنفوان فروسيته كلما طالب بروح مغامرة وأبيقورية.. ولذلك لا يمكن للحروف إلا أن تكون انعكاسا لهذه العلاقة بين الروح والجسد. لو تأملت تجربة أبي نواس ستجدين أنك أمام شاعر فرض نفسه حتى على حراس العقيدة لأن شعره كان يمثل انكشافا لحقيقة بسيطة وهي حقيقة الجسد.. من يذكر أشعار أبي نواس الصوفية عندما أحس بدنو الموت ؟ ربما المختصون فقط.. لكن التاريخ لن يحتفظ سوى بخمرياته وإباحياته ومغامراته الماجنة التي ليست في النهاية سوى تحايل الجسد على الفضاء الشرعي للتعبير عن ذاته.
*/*/*/*/*/*
نبذة عن الشاعر:
الاسم : عبد الحميد شوقي
تاريخ ومكان الميلاد : 28-12-1960 –بتيفلت ( بلدة صغيرة شرقي الرباط بحوالي 55 كلم ) المهنة : أستاذ مادة الفلسفة بالثانوي التأهيلي بمدينة تيفلت الجنسية
متزوج وأب لطفلين : أيمن (18 سنة )- هديل ( 10 سنوات)
الشهادات المحصل عليها :- الإجازة في الفلسفة –تخصص فلسفة عامة – كلية الآداب بالرباط - دبلوم كلية علوم التربية –تخصص منهجية تدريس الفلسفة- كلية علوم التربية بالرباط
. الإصدارات :
ديوان :" كنت أهيئ صمت الانتظار " 2009
: * الرواية : : - خراب الحلم – الموت في رابينة - الموتى لا يعودون في المساء - سدوم
Sujets similaires
» حوار مع الدكتور القاص المصري شريف عابدين
» حوار مع الاديب العراقي فلاح اشبندر
» محمد يوب
» حوار مع عبد الحميد شوقي
» الباحث والشاعر المغربي محمد العنّاز
» حوار مع الاديب العراقي فلاح اشبندر
» محمد يوب
» حوار مع عبد الحميد شوقي
» الباحث والشاعر المغربي محمد العنّاز
Page 1 sur 1
Permission de ce forum:
Vous ne pouvez pas répondre aux sujets dans ce forum