"ندف الروح"
+8
ahmed mazen
sauraya ilyas
chadiya madihi
smail
marwa
nisrine nacer
amina chami
Admin
12 participants
Page 2 sur 2
Page 2 sur 2 • 1, 2
"ندف الروح"
Rappel du premier message :
http://www.alyawmpress.com/culture/6403-2012-05-10-12-01-13.html
http://www.alyawmpress.com/culture/6403-2012-05-10-12-01-13.html
Re: "ندف الروح"
صديقتي العزيزة دوما سوزان
اشكرك على التغطية الدقيقة
وحرفية التقاط المهم والعميق
وبعشق للكلمة
وسحر القصة القصيرة جدا
دمت عزيزة
اشكرك على التغطية الدقيقة
وحرفية التقاط المهم والعميق
وبعشق للكلمة
وسحر القصة القصيرة جدا
دمت عزيزة
Re: "ندف الروح"
ألف ألف شكر لك سهيلةsouhayla assad a écrit:la lecture de Mr Dib et Mm aziza ouvrent des horizons magnifiques devant le lecteur. ravie de ma lecture. mille merci du partage.
والشكر موصول للصديق الناقد محمد يوب
والصديقة عزيزة رحموني
ولجمعية الإشعاع الثقافي
وللأصدقاء النقاد
وللحضور الكريم
محبتي للجميع.
Re: "ندف الروح"
retour au jardin des micro-nouvelles que j'adore fort
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiii à tous ici pour le partage.
bonne fin d'année à tous.
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiii à tous ici pour le partage.
bonne fin d'année à tous.
amina chami- Nombre de messages : 423
Date d'inscription : 05/11/2010
Re: "ندف الروح"
شكرا جزيلا لك أمينة شاميamina chami a écrit:retour au jardin des micro-nouvelles que j'adore fort
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiii à tous ici pour le partage.
bonne fin d'année à tous.
والحديقة تينع فواكهها وتتلألأ بحضورك النير.
وسنة سعيدة للجميع.
Re: "ندف الروح"
Je crois comprendre qu'il s'agit de micro-nouvelles. Sur cette page on aimerait avoir des exemples traduits pour un vrai partage, ainsi on ne seras pas sourds parmi vous. Amicalement.
eric bourgeois- Nombre de messages : 749
Date d'inscription : 26/10/2008
Re: "ندف الروح"
الإصدار الجديد لإسماعيل البويحياوي "ندف الروح" يكتنفه لغز السيرة التي تخرج عن النسق التقليدي و تشق عصا الطاعة على التوثيق الكرونولوجي الوفي للاحداث . في ندف الروح نعيش ما بين طقوس من عالمه الخاص و لمحات مِؤسطرة من الطفولة تتسرب منها قطرات موغلة في المحلية تتسرب لذيذة تشعرنا بأن الزمن موجود فينا .. من منا لا يتذكر ماضيه و يحن إلى فصول منه؟ و من منا لا يحلم بالغد و يخطط له؟ في قراءة ندف الروح نجد السارد يسائل سيرته عن الزمن و الوجود و ارتباط الإنسان بماضيه. و كاأنا به يسعى إلى هدف أسمى : الخلود...
قال أرسطو في كتاب الميتافيزيقيا:" الوجود يقال على أنحاء عدة"وعلى منواله أقول: السيرة تكتب بصيغ متعددة...فالسيرة تكتب الوجود: قوته و صدقه ، تخييله واحتمالاته، تكتبه بعرض معاشِه، و طول مكابدته.
الكتابة عن الذات لها نكهة خاصة فالمبدع حين يكتب سيرته يبحث عن جذوره و يمتد النبش في الذاكرة إلى سنين تكوينه و مبتدأ طفولته. هذه المرحلة التي لا يغادرها المرء إطلاقا و حين يحاول كتابتها يجد نفسه في ورطة رهانات الاشتباك بين الذاكرة و ثقوبها و بيت الوعي و ما يشوبه من رغبة في التحليل و الإسقاط و التحوير.
في "ندف الروح" إسماعيل البويحياوي يجيد اللعب بين المنعطفات الزمنية فتأتي سيرته كنوع من الإنصات إلى صدى الذات و الوجود. يفتح دوائر قابلة للتأويل نرى من خلالها ارتقاءه بالسرد القصير نحو نوع من التوثيق كُتب بوجدانية شاعرية تنم عن نوستالجيا للمكان و الزمن و الأشخاص الذين كانوا.
في " ندف الروح" دوائر مفصلية تبدأ من دائرة موشومة برائحة الطفولة تتشابك مع دائرة تفضي إلى ذكريات المراهق المشاغب فدائرة تشي بتمرد الطالب المشحون بقلق المرحلة و قلق الإنسان المسكون بهاجس الموت وقلق الحياة في رحلة القبض على الزمان الهارب ثم دائرة نقطف فيها لحظات خالدة و حاضر شبه سرمدي مقولب في "فلاشات" تعتبر مفتاحا للاقتراب من عوالم إسماعيل البويحياوي السردية التي يلجأ فيها إلى تثبيت سيرته في دوائر/إطارات نحس يقينا أنها لا تلِم بكل جوانب حياة المبدع و لا تحاول تحجيم مسار حياة في سيرة مختزلة بل تجعل من التكثيف لغزا يراوح بين الماضي و المستقبل ليفتح لنا نافذة على أرق الإنسان في امتداد وجوده.
كلنا ندري أنه لا يمكن القبض على الزمن في الذاكرة و لا على كل ما تخزنه هذه الذاكرة من صور تنفذ إلى جوهر التجربة الحياتية .
القاص في سرده السيري يضفي معنى على عالمه, يضع ذكرياته في ميزان وعيه, يهتم بالبعد الإنساني للوجود و يعيد الاعتبار للتراث و الحكاية الشفهية, فهل كان يحاول تحقيق مصالحة ما مع ماض غير بعيد في الزمن’ بعيد في المعاش الحقيقي. ؟
من خلال النصوص /القصيصات نجد عناصر أساسية تؤثث فضاء القص : الذات و الوعي و الواقع،و أنا المتكلم تحكي الحياة الشخصية و تحولها في بعض القصيصات إلى ماهية اجتماعية كأن السارد لا يريد أن يكون الفاعل Sujet فقط أو لا يريد أن يدع الذات الفردية تنتصر فيه بل يصر على بعده الإنساني في بوحه السيري حين يجعل "الهو" و اللبيدو الكامن فيه كإنسان.يستعيد لذاذات مراهقته.
حين يكتب ماضيه’ يصر البويحياوي على جعل ذاته مرجعية اجتماعية منحتها له تجربته لأنه كمثقف واع يدرك أن المبدع له أن يعتد بذاته الكاتبة في شرعنة عالمه و يدرك أن وعي السارد ما هو إلا سطح عمقِ لاوعيِه..
هنا ندرك أن السارد يكتب تحت قبضة كوجيتو(أنا أكتب إذن أنا موجود) يجعله يكتشف و يكشف لنا ذاته عن طريق حفريات ذاكرته و عن طريق الانخراط في حركة تفكيك تثيرها عملية التذكر حتى لو لم تخضع لإلزامية كرونولوجية تقليدية.
دوائر الحكي في ندف الروح فتحت لنا نوافذ عن:
مرحلة سياسة معينة/ الاضراب/ المخزن/ الانتخابات/ السكتة القلبية/ الخرافة /العلاقة الحميمة بالأب /صدمة لقاء الموت عن قرب...
كل القصيصات إشارات تشد هذه الدوائر الى رحى السرد بالومضة أو الفلاش كمفتاح للاقتراب من الواقع مع سبق الإصرار على التكثيف و الاختزال بينما كان بالإمكان كتابة سيرة تقليدية أو قصص قصيرة أو حتى رواية بما ان المبدع يمتلك الأدوات و الموهبة لذلك
Re: "ندف الروح"
et depuis ? pas de bruine à partager ?
nisrine nacer- Nombre de messages : 1044
Date d'inscription : 09/09/2008
ندف الروح في الفوانيس القصصية
http://kisa.alfawanis.com/index.php?option=com_content&task=view&id=1126&Itemid=1
القصة المغربية القصيرة الأخرى طباعة ارسال لصديق
الكاتب: عبد الرحيم موذن
القصة المغربية القصيرة الأخرى
ندف الروح*
ندف الروح
لعل اختيار الكاتب "إسماعيل البويحياوي" للقصة القصيرة جدا لم يكن محض صدفة. فالقارئ للمجموعة، الحاملة للعنوان أعلاه، يلمس طبيعة هذا الاختيار التي كشفت عن مكونات هذه التجربة الفكرية والإبداعية.
1- حول العنوان:
يقدم لنا عنوان المجموعة أعلى مراحل الكثافة السردية متلفعة بإهاب شعري زادها كثافة وتكثيفا. فـ ( الندف) من ألفاظ التضاد التي تحتمل الثقل( الثلج) والخفة(القطن)، الصلابة والرهافة، الملموس والمجرد، زخات المطر( ندفت السماء بالمطر) ورحيق لبن يرجعه عقودا إلى الوراء ( الندفة: القليل من اللبن) مترعا بالنظرات الحانية والترديدات المدغدغة. (يضفرون لنا شواطئ حلمية. نجري، نتسابق، نتراش ماء الحكي، ثم نغطس في بحيرة النوم.) ص.28.
وعندما تضاف الندف إلى الروح، تصبح الصورة أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من جبل "قاف". فـ" الروح" لن نلمسها إلا من خلال ندف القصص المنشورة في المجموعة، والتي لا تعكس، بدورها، سوى ما فاضت به هذه الروح ببعض ندف الذكريات والإستيهامات و السرنمات. الروح، إذن، تفاعلات الفكر والخيال ( المتخيل) عبر ميكانيزمات الزمان والمكان، وتحولاتهما في الماضي والحاضر، الروح تشفُّ عن كل ذلك بحكم تجسيدها لترسبات الوجدان، من جهة، وحركية العقل من جهة ثانية.
2- النص:
استعملنا المفرد الدال على الجمع. فالقصص القصيرة جدا، حلقات من قصة واحدة امتدت بامتداد ترجيعات الروح المتوثِّبة داخل جسد يعيش عَدَّهُ العكسي. إنها صوى الطريق التي تقود السائر/ السارد في طريق الحكي، طريق المعرفة، والتعرف أيضا، على الذات وتحولاتها. ومن ثم، فالمفارقة بين شباب الروح وشيخوخة الجسد لعبت دورا محوريا في تجاوز الإحساس بفاجعة الزمن. ولعل هذا ما يفسر إلحاح السارد على:
أ- التوثيق التاريخي من خلال سنوات الميلاد ( سقوط. ص 19 )، ومراحل تقدم العمر(العطلة. ص 33) والتأكيد على تواريخ حاسمة (روافد القصة. ص 32/ مذكرة حارقة. ص 46/ حمى الذاكرة. ص 48/ في. ص 55) في هذه السيرورة- والصيرورة أيضا- للكائن ومحيطه.
ولا يتردد السارد في حفر أخاديد زمن يتجاوز به أعطاب الجسد (" تعب الطين"/ مظفر النواب) نحو زمن تحقق في لحظات التذكر التي لم تعد من نصيب الماضي، بل إنها رافقته في رحلة استباقية نحو العدم ( سنة 3000... وبينما تنهشه فلول الفراغ، عانق رمق سيرته الارتدادية وارتمى في شفرة العدم). سيرة ذاتية.ص 31. التزمين ، إذن، يعكس هذا الإحساس الفاجع بالزمن ، بالرغم من نسمات الطفولة، وذكرياتها الندية في بعث الموات.
ب- الحفاظ على وشم الطفل في أعماق الروح من خلال الصور التالية:
- الطفل طفلا.
- الطفل يافعا.
- الطفل شيخا.
- الطفل نصّا.
وإذا كان القاسم المشترك بين هذه المستويات الأربعة، يتجسد في الطفل، والطفولة، فإن ذلك لم يمنع السارد من استكمال عناصر الفضاء الطفولي الذي أثثته صورة الأب والأم، وذكريات الجدة، وشيطنة الأتراب، ومحطات عمرية مختلفة لم يغادرها الطفل الذي ظل ملازما له في الحل والترحال. (... صرخت فأغمي علي وانتفخ جسدي، كبرت، درست، أحببت، تزوجت، ثم شخت....إثرها هاجمني الموت فصرخت. حضنتني أمي، سقتني حليبها، أفقت الرضيع الذي كنت، ورحت أعدو في فصول غيبوبتي.) ص 15.
ومن الطبيعي أن يخلق الحنين إلى الطفولة نوعا من " النوستالجيا" التي رانت على المجموعة بإهاب من الشفافية الحريصة على الاحتفاظ بطراوة الذكرى، وطزاجة الشعور، خاصة أن مرحلة الطفولة شهدت ، لدى الكائن، تخلق التجربة الشعورية، والجمالية، وما رافقها من كشف، واكتشاف، لأبجديات الجسد والطبيعة والسلطة، ومختلف العلاقات الإنسانية بين الإنسان والإنسان، بين الإنسان والعالم. من ناحية أخرى، تعتبر مرحلة الطفولة بيتا دائما للحكاية. وإصرار السارد على استرجاع هذه الذكريات محاولة لبناء النص الحكائي من خلال " تاريخ شخصي"، سيتماهى، في نهاية المطاف، بتاريخ الحكاية. تعكس هذه المقاطع ملامح هذا البيت الحكائي.
- " دونت رحلتي على لوح محفوظ قصيصاتي". ص 15.
- " يخلع قشرة شيخوخته، يتوسد ركبة السارد. يزوق لسانه بقرآن الطفولة." ص 14.
- " أبي وأمي قريبين بعيدين، وسارد باسم يغمس يده في طفولتي ويرضع ذاكرة قصيصته".ص 18.
- " وبينما منقاري في منقارها، تداهمنا مي وردية. نطيييير.تخترق بنا السنوات المسافات. نحط في عش هذه القصيصة، ويهدل فينا حمام الذاكرة).ص 24.
لا تقتصر هذه المجموعة على الاحتفال بالطفولة، بل إنها لا تتردد في استرجاع " اللغة الأولى" التي كانت وراء صياغة معجم الذاكرة والوجدان. وعلى هذا الأساس كان المحكي يستند على الكلام قبل الكتابة، بحكم رغبة السارد في الحكي للأسباب التالية:
أ- تمجيد الحكاية بعناصرها الثلاثية من حاك ومحكي عنه ومحكي له ( انظر الإهداء). وكما سبقت الإشارة، فتاريخ الشخصية- شخصية السارد- هو تاريخ الحكاية ذاتها. ومن ثم فجسده مشكل من طبقات نصية، توارثها الآباء عن الأجداد، والسارد يتسلم عصا الحكاية ليتلقفها الأحفاد ( أخيرا نامت بنتي مروة. سحبت يدي، وأطفأت شمعة حكايتي الأخيرة. تدنو، تلامسني. حُكَّ ظهري واحك يابابا. يغمغم طفل بداخلي: حُكَّ واحك يابَّا." ص 28.
ب- المتعة والإمتاع والاستمتاع ( قولة بورخيس).
ج- وظيفة الحكاية التطهيرية، بالنسبة لـ" سارد" يرفض مغادرة " جنة الطفولة"، بالرغم من بساطتها، التي فصلت بين مرحلتين: ماقبل الطفولة وما بعدها. ولما كان الفن، عموما، ممتلكا لما عبر عنه " أرسطو"، في المسرح بـ ( الكَثَرْسيس)، فإن الصياغة الحكائية للسارد، في هذه المجموعة، تهدف إلى بناء ذاكرة حكائية يواجه بها زحف غبار النسيان وتوابعه وزوابعه.
د- ينتشر الشفهي عبر جسد النص، بدءا من بالعنوان ( تحناش الذاكرة/ مّي حنا/ كْوِيبيس/ منبقاش نعاود/ خويلي ...) مرورا بالمتن الذي يقوم، في كثير من الأحيان، على:
- المزاوجة بين المكتوب والشفهي. (معظم نصوص المجموعة).
- فسح المجال، في كثير من الأحيان، للشفهي الذي يصبح سيد النص بدون منازع. ويقتصر دور المكتوب على التمهيد السريع، أو الربط بين اللقطات والأوضاع. ( فول وحمص وبرّاد ينقط عسلا. وكانت الدنيا زوينة بزاف. نظر أبي إلى السماء: الكمرة كطل على وليدي "سمعون" يا لالة نجمة. ضحكت أمي. طفقت بكلتي يدي أمسك نجوما تتقافز في حضن" زلافتي" السحرية.... النجوم والفنيد والزرقة والحمرة تتلألأ على محييهما...) ص 18.
ه- وإذا كان الشفهي مكونا من مكونات الثقافة الشعبية، فإن هذه الأخيرة تحضر بصيغ مختلفة مدعمة المحكي الشفهي، من خلال المظاهر التالية:
- صورة الغلاف التي جسدت نافذة منزل بدوي. الإطار الخشبي المتين من جذوع الأشجار، والجدار المقشر يطل منه الحجر الصم. وفي القعرالمظلم شيء أشبه بالصّرة المنتفخة بالحب ، أو ما شابه ذلك. والمتأمل لهذه العناصر يشعر بتماهي النافذة مع هيكل بشري، غلبت عليه حمرة بقايا أنسجة، وبرزت منه العظام ، لكنه ما زال قويا قادرا على الصمود والاستمرار.
وتجويف النافذة، بدلالتها المركزية، يحقق الرؤية المزدوجة: الرؤية نحو الخارج، أي الصلة بالعالم الخارجي، شهادة وتواصلا ( محمود أمين العالم. تأملات في عالم نجيب محفوظ). ويحقق، من ناحية أخرى، الرؤية نحو الداخل، بهدف استرجاع ما مضى، والاحتفاظ به في قعر الذات.
ستأخذ الصورة ذاتها بعدا آخر عند نقلها، إلى أسفل الغلاف الخلفي مذيلة، من قبل السارد، بتعريف كفانا شر الإضافة. (هذه النافذة متحف لكثير من ندف روحي. هنا صرخة ولادتي، هنا حبوي، طفولتي، ختاني ، عائلتي... هنا ندف حياة. هنا عناقيد موت). النافذة ، إذن ، سيرورة مزدوجة للذات والأسرة، أو بعبارة أخرى: صورة عائلية تتقراها أنامل السارد لتنبجس ، من بين أصابعه، سردا وحكايات متعددة.
المظهر الثاني يتعلق بالمعجم البدوي الذي حرص فيه السارد على الاحتفاظ بالكلام قبل الكتابة. وبالإضافة إلى ذلك، فالمعجم صوت من لا صوت له أمام اجتياح الثقافة العالمة. والمعجم معاجم:
+ معجم اسم العلم، سواء تعلق ذلك بالسارد في تنويعاته القائمة على النطق الخاص ( اسماعين عوض اسماعيل)،أوعلى التحبب والدغدغة الأليفة ( سمعون/ سمينيع). ينضاف إلى ذلك أسماء أخرى لعبت دورها في تأثيث ذاكرة السارد( ولد البرانس/ ولد العيان/ الزعرية/ فاطمة/ ..)، دون نسيان استنبات السارد لاسمه تصريحا داخل الحكاية ( سيرة ارتدادية.ص 31/ ذبيح.ص 41/ خطفة.ص 50.) أو تلميحا ( معظم نصوص المجموعة).. كل ذلك بهدف إثبات شرعية الانتماء إلى علم الذاكرة الغميس بحكايات لاتنضب.( سيخبركم سارد السراد أن رواة سيرتي، سيرتكم الشعبية سيحكون يومها بأياديهم ...) ص67.
+ معجم الألعاب عرام التشيش/لقيوش/)
+ معجم المكان، ببعده الإثنوغرافي للتأكيد على هوية محددة ( دوار الكرعة/ دوار أولاد الطالب/ الخلوة/ الحومة/ ..) ،أو قد يأخذ بعدا فضائيا يخدم السياق القصصي ( باليما لإدانة الفساد.ص 43/ مدرسة محمد الخامس )، أو اكتشافا للحكي بأبعاد مختلفة ( شجرة الخطيئة واللذة المحرمة.ص 17/ صبرا وشاتيلا وإدانة العدو الصهيوني/ ثانوية عبد الكريم الخطابي والحب الأول/ حمام الشط التونسي والغارة الإسرائيلية).
وإذا أضفنا إلى ذلك مظاهر الاحتفال المختلفة التي ساهم فيها الإنسان من جزاء وعقاب، فضلا عن تقاليد الختان وطقوس مواجهة الموت (الأب/ الأم/ الجدة/ الأتراب/ الشخصيات ذات المرجع الواقعي من معلم وجيران وأصدقاء ومتسلطين، أو ذات المرجعية المتخيلة، في الماضي والحاضر). وساهم في هذه المظاهر، أيضا، الماء والهواء والتراب والنبات والحيوان ... كل ذلك يؤكد على ما سبقت الإشارة إليه من احتفال بالهوية الذاتية التي لم تكن الحكاية سوى أداة لمسح الغبار عن ملامحها.
- يخترق مظهر آخر من مظاهر الثقافة الشعبية المكتوب في عقر داره. وأقصد بذلك التوزيع" الكاليغرافي" على مستوى الكثير من صفحات المجموعة (ص 17/24 /27/35 /41/44 /46 /56 /62 /65 /66 ). هكذا شكل هذا التوزيع ظاهرة مقصودة من قبل سارد، قد لا يستدعي تخطيطا حداثويا، بقدر ما يستدعي تقاليد الرسم الساذج في " جداول " الفقهاء وخطوط الصمغ في اللوحات الخشبية، أوفي قعر منحنيات " الزلايف"، أو بين تلافيف الأحجبة والتعاويذ. التحديث هنا ينبع من داخل الهوية، وليس من خارجها.
- الاحتفال بالهوية لا يتعارض مع وضعية سارد لم يبق حبيس " نوستالجيا" مرضية، بل كان شديد الحرص على التقاط ذبذات ما يحيط به من أحداث، وطنية وقومية، عن طريق صياغتها من موقع الهوية ذاتها. فمن المؤكد أن طبيعة هذه الأحداث والوقائع ( التمايز (الاجتماعي/ العدوان الصهيوني/ الاستبداد السياسي.. الخ) تؤثر في الهوية، وتتأثر بها، مادامت هذه الأخيرة نابعة من قيم محددة تنتصر للإنسان في ضعفه وقوته.
أخيرا ، وليس آخرا، لا يتردد السارد/ الكاتب في طرح – وهذه بين كتاب القصة القصيرة جدا- طرح إشكالية الكتابة السردية. والمجموعة تعكس هذا الهاجس الذي ينخرط فيه السارد بوعي، قصدي، سواء تحول إلى شخصية باسمه الحقيقي (ص 41/ 43)، أو النصي ( ضمير المتكلم/ الصفة السردية/ نصوص عديدة في المجموعة)، أو، من جهة ثانية، قد يمارس هذا السارد تقنيات التداعي- وهو الغالب على المجموعة- بهدف الإسهام في طرح لإشكالية اختيار هذا النمط، عن طريق الحكي، قبل التنظير النقدي. أو بعبارة أخرى: لاينفصل التجنيس عن إنجاز النص القصصي ذاته. ولعل هذا ما يفسر وجود سارد يمارس "ألاعيبه" القصصية، دون إخلاله بمسار القص الذي يتجه نحو هدفه المرسوم، عبر تقنيات التذكر والاستباق، التوثيق والتخييل، التفسير والتأويل، الوهم والإيهام، الجد والهزل.
ولا شك أن اختيار نمط الكتابة السردية، في سياق القصة القصيرة جدا، يرتبط بـ" الازدهار" الكمّي- والكيفي أيضا- الذي عرفه هذا الشكل القصصي في الآونة الأخيرة. ولم يتردد الكاتب في تبرير طبيعة الاختيار – إبداعيا- مبرزا خصوصية هذه الكتابة ووظيفتها، خاصة أن- كما سبقت الإشارة- المتن برمته، صياغة سردية لسيرة الذات، وسيرة الآخر، في آن واحد. النص كان بمثابة فلذة من جسد لم يعد ملك السارد، بل أصبح ملكا للفضاء الذي وجد فيه من إنسان وحيوان ونبات ومرويات مختلفة. إنه احتفال بنسغ حياة تتجدد، بواسطة سارد فاعل، ومنفعل بما مر عليه، ماضيا وحاضرا ومستقبلا ./.
عبد الرحيم موذن
القصة المغربية القصيرة الأخرى طباعة ارسال لصديق
الكاتب: عبد الرحيم موذن
القصة المغربية القصيرة الأخرى
ندف الروح*
ندف الروح
لعل اختيار الكاتب "إسماعيل البويحياوي" للقصة القصيرة جدا لم يكن محض صدفة. فالقارئ للمجموعة، الحاملة للعنوان أعلاه، يلمس طبيعة هذا الاختيار التي كشفت عن مكونات هذه التجربة الفكرية والإبداعية.
1- حول العنوان:
يقدم لنا عنوان المجموعة أعلى مراحل الكثافة السردية متلفعة بإهاب شعري زادها كثافة وتكثيفا. فـ ( الندف) من ألفاظ التضاد التي تحتمل الثقل( الثلج) والخفة(القطن)، الصلابة والرهافة، الملموس والمجرد، زخات المطر( ندفت السماء بالمطر) ورحيق لبن يرجعه عقودا إلى الوراء ( الندفة: القليل من اللبن) مترعا بالنظرات الحانية والترديدات المدغدغة. (يضفرون لنا شواطئ حلمية. نجري، نتسابق، نتراش ماء الحكي، ثم نغطس في بحيرة النوم.) ص.28.
وعندما تضاف الندف إلى الروح، تصبح الصورة أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من جبل "قاف". فـ" الروح" لن نلمسها إلا من خلال ندف القصص المنشورة في المجموعة، والتي لا تعكس، بدورها، سوى ما فاضت به هذه الروح ببعض ندف الذكريات والإستيهامات و السرنمات. الروح، إذن، تفاعلات الفكر والخيال ( المتخيل) عبر ميكانيزمات الزمان والمكان، وتحولاتهما في الماضي والحاضر، الروح تشفُّ عن كل ذلك بحكم تجسيدها لترسبات الوجدان، من جهة، وحركية العقل من جهة ثانية.
2- النص:
استعملنا المفرد الدال على الجمع. فالقصص القصيرة جدا، حلقات من قصة واحدة امتدت بامتداد ترجيعات الروح المتوثِّبة داخل جسد يعيش عَدَّهُ العكسي. إنها صوى الطريق التي تقود السائر/ السارد في طريق الحكي، طريق المعرفة، والتعرف أيضا، على الذات وتحولاتها. ومن ثم، فالمفارقة بين شباب الروح وشيخوخة الجسد لعبت دورا محوريا في تجاوز الإحساس بفاجعة الزمن. ولعل هذا ما يفسر إلحاح السارد على:
أ- التوثيق التاريخي من خلال سنوات الميلاد ( سقوط. ص 19 )، ومراحل تقدم العمر(العطلة. ص 33) والتأكيد على تواريخ حاسمة (روافد القصة. ص 32/ مذكرة حارقة. ص 46/ حمى الذاكرة. ص 48/ في. ص 55) في هذه السيرورة- والصيرورة أيضا- للكائن ومحيطه.
ولا يتردد السارد في حفر أخاديد زمن يتجاوز به أعطاب الجسد (" تعب الطين"/ مظفر النواب) نحو زمن تحقق في لحظات التذكر التي لم تعد من نصيب الماضي، بل إنها رافقته في رحلة استباقية نحو العدم ( سنة 3000... وبينما تنهشه فلول الفراغ، عانق رمق سيرته الارتدادية وارتمى في شفرة العدم). سيرة ذاتية.ص 31. التزمين ، إذن، يعكس هذا الإحساس الفاجع بالزمن ، بالرغم من نسمات الطفولة، وذكرياتها الندية في بعث الموات.
ب- الحفاظ على وشم الطفل في أعماق الروح من خلال الصور التالية:
- الطفل طفلا.
- الطفل يافعا.
- الطفل شيخا.
- الطفل نصّا.
وإذا كان القاسم المشترك بين هذه المستويات الأربعة، يتجسد في الطفل، والطفولة، فإن ذلك لم يمنع السارد من استكمال عناصر الفضاء الطفولي الذي أثثته صورة الأب والأم، وذكريات الجدة، وشيطنة الأتراب، ومحطات عمرية مختلفة لم يغادرها الطفل الذي ظل ملازما له في الحل والترحال. (... صرخت فأغمي علي وانتفخ جسدي، كبرت، درست، أحببت، تزوجت، ثم شخت....إثرها هاجمني الموت فصرخت. حضنتني أمي، سقتني حليبها، أفقت الرضيع الذي كنت، ورحت أعدو في فصول غيبوبتي.) ص 15.
ومن الطبيعي أن يخلق الحنين إلى الطفولة نوعا من " النوستالجيا" التي رانت على المجموعة بإهاب من الشفافية الحريصة على الاحتفاظ بطراوة الذكرى، وطزاجة الشعور، خاصة أن مرحلة الطفولة شهدت ، لدى الكائن، تخلق التجربة الشعورية، والجمالية، وما رافقها من كشف، واكتشاف، لأبجديات الجسد والطبيعة والسلطة، ومختلف العلاقات الإنسانية بين الإنسان والإنسان، بين الإنسان والعالم. من ناحية أخرى، تعتبر مرحلة الطفولة بيتا دائما للحكاية. وإصرار السارد على استرجاع هذه الذكريات محاولة لبناء النص الحكائي من خلال " تاريخ شخصي"، سيتماهى، في نهاية المطاف، بتاريخ الحكاية. تعكس هذه المقاطع ملامح هذا البيت الحكائي.
- " دونت رحلتي على لوح محفوظ قصيصاتي". ص 15.
- " يخلع قشرة شيخوخته، يتوسد ركبة السارد. يزوق لسانه بقرآن الطفولة." ص 14.
- " أبي وأمي قريبين بعيدين، وسارد باسم يغمس يده في طفولتي ويرضع ذاكرة قصيصته".ص 18.
- " وبينما منقاري في منقارها، تداهمنا مي وردية. نطيييير.تخترق بنا السنوات المسافات. نحط في عش هذه القصيصة، ويهدل فينا حمام الذاكرة).ص 24.
لا تقتصر هذه المجموعة على الاحتفال بالطفولة، بل إنها لا تتردد في استرجاع " اللغة الأولى" التي كانت وراء صياغة معجم الذاكرة والوجدان. وعلى هذا الأساس كان المحكي يستند على الكلام قبل الكتابة، بحكم رغبة السارد في الحكي للأسباب التالية:
أ- تمجيد الحكاية بعناصرها الثلاثية من حاك ومحكي عنه ومحكي له ( انظر الإهداء). وكما سبقت الإشارة، فتاريخ الشخصية- شخصية السارد- هو تاريخ الحكاية ذاتها. ومن ثم فجسده مشكل من طبقات نصية، توارثها الآباء عن الأجداد، والسارد يتسلم عصا الحكاية ليتلقفها الأحفاد ( أخيرا نامت بنتي مروة. سحبت يدي، وأطفأت شمعة حكايتي الأخيرة. تدنو، تلامسني. حُكَّ ظهري واحك يابابا. يغمغم طفل بداخلي: حُكَّ واحك يابَّا." ص 28.
ب- المتعة والإمتاع والاستمتاع ( قولة بورخيس).
ج- وظيفة الحكاية التطهيرية، بالنسبة لـ" سارد" يرفض مغادرة " جنة الطفولة"، بالرغم من بساطتها، التي فصلت بين مرحلتين: ماقبل الطفولة وما بعدها. ولما كان الفن، عموما، ممتلكا لما عبر عنه " أرسطو"، في المسرح بـ ( الكَثَرْسيس)، فإن الصياغة الحكائية للسارد، في هذه المجموعة، تهدف إلى بناء ذاكرة حكائية يواجه بها زحف غبار النسيان وتوابعه وزوابعه.
د- ينتشر الشفهي عبر جسد النص، بدءا من بالعنوان ( تحناش الذاكرة/ مّي حنا/ كْوِيبيس/ منبقاش نعاود/ خويلي ...) مرورا بالمتن الذي يقوم، في كثير من الأحيان، على:
- المزاوجة بين المكتوب والشفهي. (معظم نصوص المجموعة).
- فسح المجال، في كثير من الأحيان، للشفهي الذي يصبح سيد النص بدون منازع. ويقتصر دور المكتوب على التمهيد السريع، أو الربط بين اللقطات والأوضاع. ( فول وحمص وبرّاد ينقط عسلا. وكانت الدنيا زوينة بزاف. نظر أبي إلى السماء: الكمرة كطل على وليدي "سمعون" يا لالة نجمة. ضحكت أمي. طفقت بكلتي يدي أمسك نجوما تتقافز في حضن" زلافتي" السحرية.... النجوم والفنيد والزرقة والحمرة تتلألأ على محييهما...) ص 18.
ه- وإذا كان الشفهي مكونا من مكونات الثقافة الشعبية، فإن هذه الأخيرة تحضر بصيغ مختلفة مدعمة المحكي الشفهي، من خلال المظاهر التالية:
- صورة الغلاف التي جسدت نافذة منزل بدوي. الإطار الخشبي المتين من جذوع الأشجار، والجدار المقشر يطل منه الحجر الصم. وفي القعرالمظلم شيء أشبه بالصّرة المنتفخة بالحب ، أو ما شابه ذلك. والمتأمل لهذه العناصر يشعر بتماهي النافذة مع هيكل بشري، غلبت عليه حمرة بقايا أنسجة، وبرزت منه العظام ، لكنه ما زال قويا قادرا على الصمود والاستمرار.
وتجويف النافذة، بدلالتها المركزية، يحقق الرؤية المزدوجة: الرؤية نحو الخارج، أي الصلة بالعالم الخارجي، شهادة وتواصلا ( محمود أمين العالم. تأملات في عالم نجيب محفوظ). ويحقق، من ناحية أخرى، الرؤية نحو الداخل، بهدف استرجاع ما مضى، والاحتفاظ به في قعر الذات.
ستأخذ الصورة ذاتها بعدا آخر عند نقلها، إلى أسفل الغلاف الخلفي مذيلة، من قبل السارد، بتعريف كفانا شر الإضافة. (هذه النافذة متحف لكثير من ندف روحي. هنا صرخة ولادتي، هنا حبوي، طفولتي، ختاني ، عائلتي... هنا ندف حياة. هنا عناقيد موت). النافذة ، إذن ، سيرورة مزدوجة للذات والأسرة، أو بعبارة أخرى: صورة عائلية تتقراها أنامل السارد لتنبجس ، من بين أصابعه، سردا وحكايات متعددة.
المظهر الثاني يتعلق بالمعجم البدوي الذي حرص فيه السارد على الاحتفاظ بالكلام قبل الكتابة. وبالإضافة إلى ذلك، فالمعجم صوت من لا صوت له أمام اجتياح الثقافة العالمة. والمعجم معاجم:
+ معجم اسم العلم، سواء تعلق ذلك بالسارد في تنويعاته القائمة على النطق الخاص ( اسماعين عوض اسماعيل)،أوعلى التحبب والدغدغة الأليفة ( سمعون/ سمينيع). ينضاف إلى ذلك أسماء أخرى لعبت دورها في تأثيث ذاكرة السارد( ولد البرانس/ ولد العيان/ الزعرية/ فاطمة/ ..)، دون نسيان استنبات السارد لاسمه تصريحا داخل الحكاية ( سيرة ارتدادية.ص 31/ ذبيح.ص 41/ خطفة.ص 50.) أو تلميحا ( معظم نصوص المجموعة).. كل ذلك بهدف إثبات شرعية الانتماء إلى علم الذاكرة الغميس بحكايات لاتنضب.( سيخبركم سارد السراد أن رواة سيرتي، سيرتكم الشعبية سيحكون يومها بأياديهم ...) ص67.
+ معجم الألعاب عرام التشيش/لقيوش/)
+ معجم المكان، ببعده الإثنوغرافي للتأكيد على هوية محددة ( دوار الكرعة/ دوار أولاد الطالب/ الخلوة/ الحومة/ ..) ،أو قد يأخذ بعدا فضائيا يخدم السياق القصصي ( باليما لإدانة الفساد.ص 43/ مدرسة محمد الخامس )، أو اكتشافا للحكي بأبعاد مختلفة ( شجرة الخطيئة واللذة المحرمة.ص 17/ صبرا وشاتيلا وإدانة العدو الصهيوني/ ثانوية عبد الكريم الخطابي والحب الأول/ حمام الشط التونسي والغارة الإسرائيلية).
وإذا أضفنا إلى ذلك مظاهر الاحتفال المختلفة التي ساهم فيها الإنسان من جزاء وعقاب، فضلا عن تقاليد الختان وطقوس مواجهة الموت (الأب/ الأم/ الجدة/ الأتراب/ الشخصيات ذات المرجع الواقعي من معلم وجيران وأصدقاء ومتسلطين، أو ذات المرجعية المتخيلة، في الماضي والحاضر). وساهم في هذه المظاهر، أيضا، الماء والهواء والتراب والنبات والحيوان ... كل ذلك يؤكد على ما سبقت الإشارة إليه من احتفال بالهوية الذاتية التي لم تكن الحكاية سوى أداة لمسح الغبار عن ملامحها.
- يخترق مظهر آخر من مظاهر الثقافة الشعبية المكتوب في عقر داره. وأقصد بذلك التوزيع" الكاليغرافي" على مستوى الكثير من صفحات المجموعة (ص 17/24 /27/35 /41/44 /46 /56 /62 /65 /66 ). هكذا شكل هذا التوزيع ظاهرة مقصودة من قبل سارد، قد لا يستدعي تخطيطا حداثويا، بقدر ما يستدعي تقاليد الرسم الساذج في " جداول " الفقهاء وخطوط الصمغ في اللوحات الخشبية، أوفي قعر منحنيات " الزلايف"، أو بين تلافيف الأحجبة والتعاويذ. التحديث هنا ينبع من داخل الهوية، وليس من خارجها.
- الاحتفال بالهوية لا يتعارض مع وضعية سارد لم يبق حبيس " نوستالجيا" مرضية، بل كان شديد الحرص على التقاط ذبذات ما يحيط به من أحداث، وطنية وقومية، عن طريق صياغتها من موقع الهوية ذاتها. فمن المؤكد أن طبيعة هذه الأحداث والوقائع ( التمايز (الاجتماعي/ العدوان الصهيوني/ الاستبداد السياسي.. الخ) تؤثر في الهوية، وتتأثر بها، مادامت هذه الأخيرة نابعة من قيم محددة تنتصر للإنسان في ضعفه وقوته.
أخيرا ، وليس آخرا، لا يتردد السارد/ الكاتب في طرح – وهذه بين كتاب القصة القصيرة جدا- طرح إشكالية الكتابة السردية. والمجموعة تعكس هذا الهاجس الذي ينخرط فيه السارد بوعي، قصدي، سواء تحول إلى شخصية باسمه الحقيقي (ص 41/ 43)، أو النصي ( ضمير المتكلم/ الصفة السردية/ نصوص عديدة في المجموعة)، أو، من جهة ثانية، قد يمارس هذا السارد تقنيات التداعي- وهو الغالب على المجموعة- بهدف الإسهام في طرح لإشكالية اختيار هذا النمط، عن طريق الحكي، قبل التنظير النقدي. أو بعبارة أخرى: لاينفصل التجنيس عن إنجاز النص القصصي ذاته. ولعل هذا ما يفسر وجود سارد يمارس "ألاعيبه" القصصية، دون إخلاله بمسار القص الذي يتجه نحو هدفه المرسوم، عبر تقنيات التذكر والاستباق، التوثيق والتخييل، التفسير والتأويل، الوهم والإيهام، الجد والهزل.
ولا شك أن اختيار نمط الكتابة السردية، في سياق القصة القصيرة جدا، يرتبط بـ" الازدهار" الكمّي- والكيفي أيضا- الذي عرفه هذا الشكل القصصي في الآونة الأخيرة. ولم يتردد الكاتب في تبرير طبيعة الاختيار – إبداعيا- مبرزا خصوصية هذه الكتابة ووظيفتها، خاصة أن- كما سبقت الإشارة- المتن برمته، صياغة سردية لسيرة الذات، وسيرة الآخر، في آن واحد. النص كان بمثابة فلذة من جسد لم يعد ملك السارد، بل أصبح ملكا للفضاء الذي وجد فيه من إنسان وحيوان ونبات ومرويات مختلفة. إنه احتفال بنسغ حياة تتجدد، بواسطة سارد فاعل، ومنفعل بما مر عليه، ماضيا وحاضرا ومستقبلا ./.
عبد الرحيم موذن
محمد معتصم-اللوحة القصصية عند إسماعيل الب
اللوحة القصصية عند إسماعيل البويحياوي
يقترح علينا القاص المغربي إسماعيل البويحياوي في مجموعته "ندف الروح" تجنيسا جديدا يضاف إلى التجنيس المتعدد والمتنوع المختلف الذي رصدناه حتى اليوم عند كتاب القصة، من قبيل؛ القصة، والقصة القصيرة، والأقصوصة، والقصة القصيرة جدا، والقص..جدا، والنص القصصي، والمتواليات القصصية، أما تجنيس إسماعيل البويحياوي فهو: "قصصي القصيرة جدا" الوارد في الصفحة (26) ومثبت على الغلاف الأول، وهو ما يدل على أنه اختيار واع له دلالة يروم القاص إيصالها إلى القراء وجمهور كتاب "القصة القصيرة" وخاصة كتاب "القصة القصيرة جدا".
استعمل القاص تجنيسا آخر مثل "القُصَيْصَةُ" في الصفحتين (20) و(24) و"قُصَيْصَاتٌ" ص (15)، وكذلك "تَخْيِيلٌ ذَاتِيٌّ" و"حْوِيجَاتْ" قصيرة جدا" في هامش الصفحة (20).
ما الجديد في تجنيس إسماعيل البويحياوي؟
الجديد يتمثل في "ياء النسب"، فالقصص القصيرة جدا التي يتضمنها الكتاب، ليست تجميعا لقصيصات متفرقة لا يوحد بينها خيط ناظم، كما هو شائع، بل هي حبات عقيق منتظمة في خيط سيرة القاص. بذلك يكون مقترح إسماعيل البويحياوي يندرج ضمن كتابة السيرة الذاتية أو التخييل الذاتي ضمن الخطاب السردي القصير جدا، عكس الذي اعتاد القارئ قراءته ضمن الخطابات السردية الطويلة.
إن مجموعة "ندف الروح" لصاحبها إسماعيل بويحياوي خطاب سردي سير ذاتي وهي كذلك، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، خطاب تخييل ذاتي يتكوم من "لوحات قصصية" قصيرة جدا لنص سردي طويل مسترسل؛ إنها لوحات منفصلة ومنفصلة في آن، يصل بينها المحكي الذاتي (القاص والشخصية القصصية والسارد صوت واحد) ويفصل بينها غياب الترتيب الزماني وتسلسله الكرونولوجي. فقد اعتمد القاص على السجية، ما يقع أمامه من وقائع ومواقف ووضعيات وحالات يكتبه (يدونه ويسجله ويقيده) حتى لا يفلت منه، ويدل على ذلك عدم اهتمام القاص وهو يجمع "لوحاته القصصية" –ربما عن قصد- بتتابع المعينات الزمانية والمكانية، مثلا يكتب عن لقائه ب "فاطمة" سنة 1982م بثانوية عبد الكريم الخطابي في الصفحة (50)، ويكتب عن لحظة زمانية سابقة على ذلك في الصفحة (52) عندما عاد فرحا بجوائزه المدرسية سنة 1974م، ثم يكتب في الصفحة (55) عن الغارة الإسرائيلية على تونس سنة 1985م في هجوم سافر على منظمة التحرير الفلسطينية التي خلفت دمارا وقتلى واستياء عارما في نفوس الشعوب العربية التي أحست بأنها بلا حماية وفي العراء.
هي قصص قصيرة جدا من التخييل الذاتي، انتقى فيها القاص "لوحات قصصية" من ذاكرته نعتقد أنها تشكل لحظات هامة في تكوين شخصيته أو أنها تشكل موقفا لديه أو لحظات تاريخية واجتماعية وسياسية مشتركة كان لها تأثير كبير على مسار القاص وجيله.
تتميز "اللوحات القصصية" بحجمها القصير جدا والذي لا يتجاوز الفقرة والفقرتين، مع استغلال بياض الصفحة وتشكيله بصريا بتقطيع الجمل وتفتيت الكلمة إلى حروف متدرجة حتى التناهي في الصغر أو الامِّحَاءِ والتَّلَاشِي، ويتم توسيع النص بإضافة "هوامش" للشرح والتوضيح خاصة الألفاظ "الدارجة" المحلية.
تقوم "الدارجة" المحلية المغربية بوظيفة "تهجين" الجملة السردية، لكنها تؤدي كذلك وظيفة أخرى تتمثل في ربط النص المتخيل بجغرافيته وثقافته المحلية، وقد أدى ذلك إلى تأرجح النص بين "المحكي الشفهي" و"المحكي الثقافي"، يستند الأول إلى السماع والمتداول ويستند الثاني على التصور النظري لمفهوم القصة القصيرة جدا كاختيار أجناسي ارتآه القاص قالبا وقناة عبرها يوصل مواقفه وأفكاره وتصوره الخاص للنص القصصي القصير.
نستنتج أن "القصة القصيرة جدا" لدى إسماعيل البويحياوي خطاب سردي قصير جدا، لا يتجاوز الفقرة والفقرتين، لا يعتمدُ الخَطِّيَّةَ ويميل إلى التشكيل البصري لبياض الصفحة كما فعلت القصيدة "الكاليغرافية" لدى الشعراء الغربيين والمغاربة الذين سبقوه، ويزاوج بين اللسان الفصيح واللسان الدارج بما يقتضيه الحال والمقام، ولا عيب في تذييل المتن بهوامش للشرح والتوضيح لتدليل الفهم وتبليغ المقصود، ورغم قصر حجم النص إيقونيا إلا أنه "عالم" واسع وعميق "يتخيل" الواقع ويصهره في بوتقة اللغة، والحلم، والوعي، الكاتب (القاص) قوي الحضور، والسارد مشارك كذلك، وللخطاب السردي القصير جدا موضوعات غير محدودة، وإمكانيات للسرد متنوعة، قد تكون "اللوحات القصصية" منفصلة تشكل كونها الخاص المستقل أو أنها تتضافر لتشكل سلسلة متواصلة في تقطع وتدرج غير خطيين.
من الموضوعات التي اشتغل عليها القاص إسماعيل البويحياوي في مجموعته "ندف الروح": التحديد الجغرافي (المعينات المكانية اللسانية وغير اللسانية)، التحديد الزماني (المعينات الزمانية اللسانية وغير اللسانية)، مواقف سياسية وأحداث اجتماعية وسياسية محلية وعربية، مواقف ومشاهد طريفة، وصف لوضعيات اجتماعية، تدوين بعض ألعاب الطفولة (قد اندثر بعضها)، بداية الشعور بالذات وإدراك الرغبة الجنسية.
أرى أن مجموعة "ندف الروح" اجتهدت لتضيف ملمحا جديدا لظاهرة النص "القصصي القصير جدا" في المغرب، ولتثريه وتطرحه مجددا أمام النقد للتحليل والدراسة واستغوار خفاياه واستكشاف طاقاته الدفينه وإمكانياته البليغة في التعبير عن الذات وقضاياها وعن المحيط الخارجي وشواغله. إنها من المجموعات القليلة التي استطاعة أن تتخلص من شوائب المحكيات القصيرة التي قلنا عنها سابقا مكملات وهوامش غير مستقلة بذاتها، وأنها نتوء في سرد طويل.
البويحياوي، إسماعيل؛ ندف الروح. قصصي القصيرة جدا. منشورات التنوخي، الرباط. 2011
http://motassim.canalblog.com/archives/2012/02/11/23494582.html
Re: "ندف الروح"
كيف نفكك السيري في الحكي لدى القاص اسماعيل البويحياوي و كيف نقاربه؟
كتابته دوائر تتشابك و تترابط من اصدار الى آخر و كأنها سرد طويل النفَس
مزيد من الالق للقاص اسماعيل البويحياوي
كتابته دوائر تتشابك و تترابط من اصدار الى آخر و كأنها سرد طويل النفَس
مزيد من الالق للقاص اسماعيل البويحياوي
Page 2 sur 2 • 1, 2
Sujets similaires
» حذار ان تلقي بانفاسك في نور بعيد المنال
» على حافة الروح / سليمان دغش
» شاعرات اندلسيات
» حوار مع الاديب العراقي فلاح اشبندر
» قراءة عزيزة رحموني في ديوان طائر البرهان
» على حافة الروح / سليمان دغش
» شاعرات اندلسيات
» حوار مع الاديب العراقي فلاح اشبندر
» قراءة عزيزة رحموني في ديوان طائر البرهان
Page 2 sur 2
Permission de ce forum:
Vous ne pouvez pas répondre aux sujets dans ce forum