بين المحبس الكوروني و الإنفتاح الإلكتروني
Page 1 sur 1
بين المحبس الكوروني و الإنفتاح الإلكتروني
سلسلة حوارات خاصة ب جريدة العلم المغربية إعداد عزيزة رحموني
بين المحبس الكوروني و الانفتاح الالكتروني" "
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا لِلْحَدّ من انتقالِ الوباء ،
لكن التواصلَ لمْ ينقطع لأن التفاعل اسْتمَر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي،
أليست الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، قادرة على كسر حدة الحجر العالمي و احراج الجائحة و في نفس الوقت،
هل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي للتفاعل؟
و هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطنا للجميع"؟
هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
و كيف يُقيِّم المثفقف سنة 2020
و كيف يسْتقبل سنة 2021
بين المحبس الكوروني و الانفتاح الالكتروني" "
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا لِلْحَدّ من انتقالِ الوباء ،
لكن التواصلَ لمْ ينقطع لأن التفاعل اسْتمَر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي،
أليست الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، قادرة على كسر حدة الحجر العالمي و احراج الجائحة و في نفس الوقت،
هل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي للتفاعل؟
و هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطنا للجميع"؟
هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
و كيف يُقيِّم المثفقف سنة 2020
و كيف يسْتقبل سنة 2021
Dernière édition par Admin le Ven 12 Fév - 12:15, édité 2 fois
عبداللطيف هسوف
حوار "العلم" مع د. عبد اللطيف هسوف
الأستاذ المغربي بجامعة جورج واشنطن والمحلل الجيوسياسي لدى الحكومة الأمريكية سابقا
والمستشار اللغوي والثقافي حاليا
أجرى الحوار: الأستاذة عزيزة الرحموني
بين المحبس الكوروني والانفتاح الالكتروني
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا للحد من انتقال الوباء، لكن التواصل لم ينقطع لأن التفاعل استمر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
هل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي للتفاعل؟
المثقف هو الشخص الذي يستخدم الذكاء (الفكر والعقل) والتفكير النقدي أو التحليلي سواء بصفة مهنية أو شخصية، في حين يُستخدم مصطلح "اجتماعي" في العديد من المعاني المختلفة ويُنظر إليه على أنه مفهوم غامض يشير إلى المواقف أو التوجهات أو السلوكيات التي تأخذ في الاعتبار اهتمامات أو نوايا أو احتياجات الأشخاص الآخرين. وبالتالي يمتلك الأفراد الأكثر أداءً قدرة فكرية واجتماعية في آن واحد. اجتماعي بدون فكر يؤدي إلى فعل نفس الشيء مرارًا وتكرارًا وعدم تقديم أي شيء. الفكر بدون التواصل الاجتماعي يعني قلة قليلة فقط من الناس سوف تستمع وتفهم. أولئك الذين لديهم القدرة الفكرية والمهارات الاجتماعية هم أشخاص يتميزون عن الآخرين.. هم يمتلكون القدرة على التأثير على العالم من حولهم بالمعرفة والثقافة، والقيام بذلك بطريقة "اجتماعية". هؤلاء "المثقفون الاجتماعيون" يردون في الواقع على رسائل البريد الإلكتروني ويعقبون على ما ينشر إلكترونيا، وكذا على استفسارات متابعيهم في مواقع التواصل الاجتماعي. إنهم ليسوا "منفتحي الذهن" فقط بل متحفزون لخدمة الجمهور ويقدرون إلى حد بعيد المشاركة، ولهم رغبة في التواصل. وبالتالي، فإن المثقف اليوم مجبر لاستخدام هذا العالم الافتراضي لتحقيق التواصل لكنه لا يجب أن يسقط في التقليد بنسخ ما يصادفه في هذا العالم الثاني أو جعله مصدر معرفته الأساسي. يجب على المثقف أن يمحص الأفكار ويغربلها قبل أن ينتجها أو يعيد إنتاجها في قالب علمي أو أدبي عبر وسائط صحافية أو أبحاث جامعية أو إبداعات أدبية.. إلخ.
هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطن للجميع"؟
قدرتنا على التواصل مع بعضنا البعض تمثل جزءًا كبيرًا من كوننا ننتمي لسلالة البشر. في الفترة القريبة الماضية، عززنا هذه القدرة باستخدام التكنولوجيا الحديثة. وقد تخطت تقنيات "الواقع الافتراضي" (Virtual Reality) كل التنبؤات، حيث أخذت تأثر بقوة على جوانب مختلفة وعديدة من حياتنا، بما في ذلك طريقة عملنا وعيشنا وتواصلنا. هي واحدة من أكثر التقنيات إثارة في عصرنا، حيث يصبح "الواقع الافتراضي" واقع محاكاة بالكامل، يتم إنشاؤه بواسطة أنظمة الكمبيوتر باستخدام التنسيقات الرقمية. وقد أصبح لاستخدام "الواقع الافتراضي" ومواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية تأثير اجتماعي ونفسي ملحوظ، بما في ذلك تصوراتنا عن الذات والأسرة والدين وطريقة العيش والتجارب الخاصة وما إلى ذلك. "الواقع الافتراضي" يجعلك تشعر كما لو أنك في "الواقع الحقيقي" مع شخص ما. هذا "الحضور الاجتماعي" حيث تلمس مشاعر المتواصلين معك، وترى إيماءاتهم وتشعر وكأنك في الغرفة معهم ليتحول اللا عاطفي والبعيد إلى شخص تحسه قريب منك حقًا. هناك لعبة افتراضية تباع في أسواق أمريكا تسمى "حياة ثانية" (Second Life). الحياة الافتراضية هي أيضا حياة ثانية، وطن ثان أو أوطان متعددة. إنها حياة قد لا يتمتع بها المرء في الواقع (الحياة الواقعية)، ويمكن اعتبارها طريقا يسلكها المرء للتنفيس عن الذات؛ عالم آخر يدخله من غير عناء.
هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
أدت مستويات التفاعل المتاحة من خلال تقنيات مثل البريد الإلكتروني والإنترنت والشبكات الاجتماعية إلى قيام العديد من الباحثين بفحص كيفية تأثير هذه التطورات على التواصل الثقافي. ومما لا شك فيه فقد أدى هيمنة العولمة إلى زيادة استخدام التقنيات المتقدمة في جميع المجالات، لا سيما في مجال الأعمال والتعليم. هذه التقنيات تعزز أيضا وبشكل إيجابي التواصل الثقافي وتعمل كجسر يُمكِّن الناس من مختلف الثقافات والخلفيات مشاركة الأفكار إلكترونيا.
لنسترجع دروس تاريخ التواصل، أولا، قطع التلغراف العلاقة بين الاتصال والنقل. قبل التلغراف ، كانت سرعة الاتصال هي سرعة القطار - حوالي 56 كلم في الساعة! أسقطته التلغراف لبضع ثوانٍ فقط: من النقطة أ إلى النقطة ب في نبضة إلكترونية! خلال القرن التاسع عشر، شهدنا تقارباً مذهلاً لثلاث تقنيات وسائط عندما تقارب التصوير الفوتوغرافي مع المطبعة والتلغراف، مما سمح بإنتاج الصور على نطاق واسع وإرسالها إلى كل مكان في وقت واحد. أعادتنا الإذاعة إلى تحكم الكلمة المنطوقة، إذ سمح لنا الراديو بمشاركة الأغاني والقصص والأخبار معًا في نفس الوقت. ثم جاء التلفزيون ليعزز الاتصالات القائمة على الصور لتغير أنماط المعالجة الافتراضية لدينا، والأفكار المفضلة لدينا وتفسيرنا للعالم من حولنا. ثم أوجد الإنترنت طريقة جديدة في التواصل: إنكار أي معنى حقيقي لقصة أو حقيقة تنظم العالم وتجعله منطقيًا. إنها أيضا "شبكة عالمية" من المعلومات العشوائية. أليس هذا ما نختبره عندما نتصفح فايسبوك؟
إن الترويج للحدث عبر الإنترنت ليس جديدًا، لكنه يتغير باستمرار ويصبح أكثر تعقيدًا مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا. ويبدو أن من المحتمل أن نرى المزيد من التفاعل الإلكتروني لأن المزيد من الأشخاص يتجهون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمساهماتهم الثقافية وغير الثقافية. لكن لم يعد الأمر يتعلق بمجرد رؤية المثقف للعالم. هناك الكثير مما يحدث، يحاول العديد من الأشخاص والمؤسسات لفت انتباهنا، لذا يتعين على المثقف التأكد من أن مساهماته ستجذب جمهوره المستهدف. يمكن أن يقوم المثقف بالترويج على شبكة اجتماعية ليست ذات صلة بجمهوره أو قد يكون في المكان المناسب ويتحدث إلى الأشخاص الخطأ. الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي هي أدوات قوية للغاية يمكنها التأثير ثقافيا على المتلقي. في المستقبل، ربما نحن متجهون نحو أمسيات ثقافية بالصوت والصورة عن بعد.
الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، كيف يمكنها كسر حدة الحجر العالمي وإحراج الجائحة؟
تؤثر جائحة كورونا، التي تستمر في الانتشار في جميع أنحاء العالم تقريبًا، على كل جانب من جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك الحاجة البشرية للتواصل ثقافيا. ومع إغلاق العديد من مواقع التراث العالمي، ضعفت علاقتنا بتراثنا. وإضافة إلى انقطاع أو إلغاء الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية والممارسات الثقافية الأخرى، ضعفت علاقتنا ببعضنا البعض. تم تقليص الحق الأساسي في الوصول إلى الثقافة بسبب تدابير التقييد التي فرضها السلطات.. ومن ثم تعرضت الحياة الثقافية لضربة قوية حيث نجد معظم المثقفين والفنانين غير قادرين على تغطية نفقاتهم، كما تأثر قطاع السياحة الثقافية بشكل كبير... هذا التحول - اجتماعي واقتصادي وسياسي - يؤثر على الحق الأساسي في الوصول إلى الثقافة والحقوق الاجتماعية للمبدعين . إن إغلاق المواقع التراثية والمتاحف والمسارح ودور السينما والمؤسسات الثقافية الأخرى يهدد تمويل الفنانين وجميع المجالات الإبداعية. أوقف كوفيد -19 العديد من الممارسات الثقافية، بما في ذلك الطقوس والاحتفالات، مما أثر على المجتمعات في كل مكان.
وفي حين أن العديد من المراكز الثقافية حول العالم تمكنت من التكيف من خلال حلول عبر الإنترنت مثل الجولات الافتراضية أو إشراك الجمهور من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا غير ممكن في جميع أنحاء العالم بسبب القدرات المحدودة أو الأدوات الرقمية غير المتوفرة للجميع.
ومع كل ما ذكرناه، فالجائحة تمنح الفرصة للمبدعين للتأمل والإنتاج الإبداعي الرصين. فبمجرد انتهاء العمل الروتيني، يكون لدينا وقت فراغ يجب أن نملأه، وقت فراغ يمكن ملؤه بالتفكير والإنتاج الثقافي. بينما لا شيء يمكن أن يحل محل التجربة المكثفة لحفل، أو اللقاء الفريد مع الفن في صالات العرض، فبفضل المنصات الرقمية المتاحة بشكل متزايد، فإن الفن يصبح على بعد نقرة واحدة. الفن والثقافة، إن مباشرة أو رقميا، يساهمان في رفاهيتنا وصفائنا وإلهامنا وتحفيزنا الفكري ومرونتنا في مواجهة تحديات الحياة. لنقرأ أكثر وننتج أكثر كمبدعين.. المستقبل للثقافة، وهذا ما نملكه أمام جنون كورونا وجنون العالم من حولنا.
كيف تقيم 2020 وكيف تستقبل 2021
قد تكون السلبية اتجاهًا بشريًا خلال أوقات الأزمات، لذا فإن وباء كورونا غطى سلسلة من الإنجازات، وأكد أننا أمضينا وقتًا أطول بكثير في التركيز على أزمة صحية جديدة، بدلاً من الاحتفال بحقيقة أن الباحثين يقتربون ببطء ولكن بثبات من نهايتها. وفيما يخصنا نحن المغاربة، واجهنا بكل مكونات المجتمع وباء كورونا بحزم وتشدد في سنة صعبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لكن تلاحم الشعب المغربي خفف إلى حد ما من تداعيات الأزمة. سنة 2020، حقّق المغرب اختراقا بعد اختراق فيما يخصّ قضية الصحراء، خصوصا بعدما تمكن من وضع حدّ لمحاولة بوليساريو عرقلة حرية التنقل عبر معبر الكركرات، المعبر الذي يربط المغرب ببلدان أفريقيا الغربية. اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وأكدت أن لا حل خارج اقتراح الحكم الذاتي الذي رسم معالمه صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
على المستوى الشخصي أنا متفائل بالسنة الجديدة 2021. وبالعودة إلى الثقافة والإنتاج الفكري والمعرفي، أنا أعتكف بعيدا عن ضوضاء الحياة، أقرأ ما لم يتيسر لي قراءته من قبل وأكتب في مجالات متعددة تتوزع بين التاريخ والسياسة والإبداع. لكن، هذا لا يمنع من التفكير في المبدعين والمثقفين الذين يمرون بظروف صعبة بسبب توقف أنشطتهم بعد تفشي الجائحة. على الحكومة الحالية والحكومة القادمة أن تنتبه لمنتجي الثقافة بدعمهم ماديا ومعنويا. نحن حتما في حاجة لإقلاع اقتصادي بعد خفوت تداعيات كورونا، لكننا أيضا في حاجة حقيقية لتطوير الثقافة في بلدنا.. الثقافة هي التي تعمل على تحديث نظرتنا للعالم من حولنا.
الأستاذ المغربي بجامعة جورج واشنطن والمحلل الجيوسياسي لدى الحكومة الأمريكية سابقا
والمستشار اللغوي والثقافي حاليا
أجرى الحوار: الأستاذة عزيزة الرحموني
بين المحبس الكوروني والانفتاح الالكتروني
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا للحد من انتقال الوباء، لكن التواصل لم ينقطع لأن التفاعل استمر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
هل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي للتفاعل؟
المثقف هو الشخص الذي يستخدم الذكاء (الفكر والعقل) والتفكير النقدي أو التحليلي سواء بصفة مهنية أو شخصية، في حين يُستخدم مصطلح "اجتماعي" في العديد من المعاني المختلفة ويُنظر إليه على أنه مفهوم غامض يشير إلى المواقف أو التوجهات أو السلوكيات التي تأخذ في الاعتبار اهتمامات أو نوايا أو احتياجات الأشخاص الآخرين. وبالتالي يمتلك الأفراد الأكثر أداءً قدرة فكرية واجتماعية في آن واحد. اجتماعي بدون فكر يؤدي إلى فعل نفس الشيء مرارًا وتكرارًا وعدم تقديم أي شيء. الفكر بدون التواصل الاجتماعي يعني قلة قليلة فقط من الناس سوف تستمع وتفهم. أولئك الذين لديهم القدرة الفكرية والمهارات الاجتماعية هم أشخاص يتميزون عن الآخرين.. هم يمتلكون القدرة على التأثير على العالم من حولهم بالمعرفة والثقافة، والقيام بذلك بطريقة "اجتماعية". هؤلاء "المثقفون الاجتماعيون" يردون في الواقع على رسائل البريد الإلكتروني ويعقبون على ما ينشر إلكترونيا، وكذا على استفسارات متابعيهم في مواقع التواصل الاجتماعي. إنهم ليسوا "منفتحي الذهن" فقط بل متحفزون لخدمة الجمهور ويقدرون إلى حد بعيد المشاركة، ولهم رغبة في التواصل. وبالتالي، فإن المثقف اليوم مجبر لاستخدام هذا العالم الافتراضي لتحقيق التواصل لكنه لا يجب أن يسقط في التقليد بنسخ ما يصادفه في هذا العالم الثاني أو جعله مصدر معرفته الأساسي. يجب على المثقف أن يمحص الأفكار ويغربلها قبل أن ينتجها أو يعيد إنتاجها في قالب علمي أو أدبي عبر وسائط صحافية أو أبحاث جامعية أو إبداعات أدبية.. إلخ.
هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطن للجميع"؟
قدرتنا على التواصل مع بعضنا البعض تمثل جزءًا كبيرًا من كوننا ننتمي لسلالة البشر. في الفترة القريبة الماضية، عززنا هذه القدرة باستخدام التكنولوجيا الحديثة. وقد تخطت تقنيات "الواقع الافتراضي" (Virtual Reality) كل التنبؤات، حيث أخذت تأثر بقوة على جوانب مختلفة وعديدة من حياتنا، بما في ذلك طريقة عملنا وعيشنا وتواصلنا. هي واحدة من أكثر التقنيات إثارة في عصرنا، حيث يصبح "الواقع الافتراضي" واقع محاكاة بالكامل، يتم إنشاؤه بواسطة أنظمة الكمبيوتر باستخدام التنسيقات الرقمية. وقد أصبح لاستخدام "الواقع الافتراضي" ومواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية تأثير اجتماعي ونفسي ملحوظ، بما في ذلك تصوراتنا عن الذات والأسرة والدين وطريقة العيش والتجارب الخاصة وما إلى ذلك. "الواقع الافتراضي" يجعلك تشعر كما لو أنك في "الواقع الحقيقي" مع شخص ما. هذا "الحضور الاجتماعي" حيث تلمس مشاعر المتواصلين معك، وترى إيماءاتهم وتشعر وكأنك في الغرفة معهم ليتحول اللا عاطفي والبعيد إلى شخص تحسه قريب منك حقًا. هناك لعبة افتراضية تباع في أسواق أمريكا تسمى "حياة ثانية" (Second Life). الحياة الافتراضية هي أيضا حياة ثانية، وطن ثان أو أوطان متعددة. إنها حياة قد لا يتمتع بها المرء في الواقع (الحياة الواقعية)، ويمكن اعتبارها طريقا يسلكها المرء للتنفيس عن الذات؛ عالم آخر يدخله من غير عناء.
هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
أدت مستويات التفاعل المتاحة من خلال تقنيات مثل البريد الإلكتروني والإنترنت والشبكات الاجتماعية إلى قيام العديد من الباحثين بفحص كيفية تأثير هذه التطورات على التواصل الثقافي. ومما لا شك فيه فقد أدى هيمنة العولمة إلى زيادة استخدام التقنيات المتقدمة في جميع المجالات، لا سيما في مجال الأعمال والتعليم. هذه التقنيات تعزز أيضا وبشكل إيجابي التواصل الثقافي وتعمل كجسر يُمكِّن الناس من مختلف الثقافات والخلفيات مشاركة الأفكار إلكترونيا.
لنسترجع دروس تاريخ التواصل، أولا، قطع التلغراف العلاقة بين الاتصال والنقل. قبل التلغراف ، كانت سرعة الاتصال هي سرعة القطار - حوالي 56 كلم في الساعة! أسقطته التلغراف لبضع ثوانٍ فقط: من النقطة أ إلى النقطة ب في نبضة إلكترونية! خلال القرن التاسع عشر، شهدنا تقارباً مذهلاً لثلاث تقنيات وسائط عندما تقارب التصوير الفوتوغرافي مع المطبعة والتلغراف، مما سمح بإنتاج الصور على نطاق واسع وإرسالها إلى كل مكان في وقت واحد. أعادتنا الإذاعة إلى تحكم الكلمة المنطوقة، إذ سمح لنا الراديو بمشاركة الأغاني والقصص والأخبار معًا في نفس الوقت. ثم جاء التلفزيون ليعزز الاتصالات القائمة على الصور لتغير أنماط المعالجة الافتراضية لدينا، والأفكار المفضلة لدينا وتفسيرنا للعالم من حولنا. ثم أوجد الإنترنت طريقة جديدة في التواصل: إنكار أي معنى حقيقي لقصة أو حقيقة تنظم العالم وتجعله منطقيًا. إنها أيضا "شبكة عالمية" من المعلومات العشوائية. أليس هذا ما نختبره عندما نتصفح فايسبوك؟
إن الترويج للحدث عبر الإنترنت ليس جديدًا، لكنه يتغير باستمرار ويصبح أكثر تعقيدًا مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا. ويبدو أن من المحتمل أن نرى المزيد من التفاعل الإلكتروني لأن المزيد من الأشخاص يتجهون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمساهماتهم الثقافية وغير الثقافية. لكن لم يعد الأمر يتعلق بمجرد رؤية المثقف للعالم. هناك الكثير مما يحدث، يحاول العديد من الأشخاص والمؤسسات لفت انتباهنا، لذا يتعين على المثقف التأكد من أن مساهماته ستجذب جمهوره المستهدف. يمكن أن يقوم المثقف بالترويج على شبكة اجتماعية ليست ذات صلة بجمهوره أو قد يكون في المكان المناسب ويتحدث إلى الأشخاص الخطأ. الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي هي أدوات قوية للغاية يمكنها التأثير ثقافيا على المتلقي. في المستقبل، ربما نحن متجهون نحو أمسيات ثقافية بالصوت والصورة عن بعد.
الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، كيف يمكنها كسر حدة الحجر العالمي وإحراج الجائحة؟
تؤثر جائحة كورونا، التي تستمر في الانتشار في جميع أنحاء العالم تقريبًا، على كل جانب من جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك الحاجة البشرية للتواصل ثقافيا. ومع إغلاق العديد من مواقع التراث العالمي، ضعفت علاقتنا بتراثنا. وإضافة إلى انقطاع أو إلغاء الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية والممارسات الثقافية الأخرى، ضعفت علاقتنا ببعضنا البعض. تم تقليص الحق الأساسي في الوصول إلى الثقافة بسبب تدابير التقييد التي فرضها السلطات.. ومن ثم تعرضت الحياة الثقافية لضربة قوية حيث نجد معظم المثقفين والفنانين غير قادرين على تغطية نفقاتهم، كما تأثر قطاع السياحة الثقافية بشكل كبير... هذا التحول - اجتماعي واقتصادي وسياسي - يؤثر على الحق الأساسي في الوصول إلى الثقافة والحقوق الاجتماعية للمبدعين . إن إغلاق المواقع التراثية والمتاحف والمسارح ودور السينما والمؤسسات الثقافية الأخرى يهدد تمويل الفنانين وجميع المجالات الإبداعية. أوقف كوفيد -19 العديد من الممارسات الثقافية، بما في ذلك الطقوس والاحتفالات، مما أثر على المجتمعات في كل مكان.
وفي حين أن العديد من المراكز الثقافية حول العالم تمكنت من التكيف من خلال حلول عبر الإنترنت مثل الجولات الافتراضية أو إشراك الجمهور من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا غير ممكن في جميع أنحاء العالم بسبب القدرات المحدودة أو الأدوات الرقمية غير المتوفرة للجميع.
ومع كل ما ذكرناه، فالجائحة تمنح الفرصة للمبدعين للتأمل والإنتاج الإبداعي الرصين. فبمجرد انتهاء العمل الروتيني، يكون لدينا وقت فراغ يجب أن نملأه، وقت فراغ يمكن ملؤه بالتفكير والإنتاج الثقافي. بينما لا شيء يمكن أن يحل محل التجربة المكثفة لحفل، أو اللقاء الفريد مع الفن في صالات العرض، فبفضل المنصات الرقمية المتاحة بشكل متزايد، فإن الفن يصبح على بعد نقرة واحدة. الفن والثقافة، إن مباشرة أو رقميا، يساهمان في رفاهيتنا وصفائنا وإلهامنا وتحفيزنا الفكري ومرونتنا في مواجهة تحديات الحياة. لنقرأ أكثر وننتج أكثر كمبدعين.. المستقبل للثقافة، وهذا ما نملكه أمام جنون كورونا وجنون العالم من حولنا.
كيف تقيم 2020 وكيف تستقبل 2021
قد تكون السلبية اتجاهًا بشريًا خلال أوقات الأزمات، لذا فإن وباء كورونا غطى سلسلة من الإنجازات، وأكد أننا أمضينا وقتًا أطول بكثير في التركيز على أزمة صحية جديدة، بدلاً من الاحتفال بحقيقة أن الباحثين يقتربون ببطء ولكن بثبات من نهايتها. وفيما يخصنا نحن المغاربة، واجهنا بكل مكونات المجتمع وباء كورونا بحزم وتشدد في سنة صعبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لكن تلاحم الشعب المغربي خفف إلى حد ما من تداعيات الأزمة. سنة 2020، حقّق المغرب اختراقا بعد اختراق فيما يخصّ قضية الصحراء، خصوصا بعدما تمكن من وضع حدّ لمحاولة بوليساريو عرقلة حرية التنقل عبر معبر الكركرات، المعبر الذي يربط المغرب ببلدان أفريقيا الغربية. اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وأكدت أن لا حل خارج اقتراح الحكم الذاتي الذي رسم معالمه صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
على المستوى الشخصي أنا متفائل بالسنة الجديدة 2021. وبالعودة إلى الثقافة والإنتاج الفكري والمعرفي، أنا أعتكف بعيدا عن ضوضاء الحياة، أقرأ ما لم يتيسر لي قراءته من قبل وأكتب في مجالات متعددة تتوزع بين التاريخ والسياسة والإبداع. لكن، هذا لا يمنع من التفكير في المبدعين والمثقفين الذين يمرون بظروف صعبة بسبب توقف أنشطتهم بعد تفشي الجائحة. على الحكومة الحالية والحكومة القادمة أن تنتبه لمنتجي الثقافة بدعمهم ماديا ومعنويا. نحن حتما في حاجة لإقلاع اقتصادي بعد خفوت تداعيات كورونا، لكننا أيضا في حاجة حقيقية لتطوير الثقافة في بلدنا.. الثقافة هي التي تعمل على تحديث نظرتنا للعالم من حولنا.
سعاد مسكين ناقدة مهتمة بالادب الرقمي
بين المحبس الكوروني والانفتاح الالكتروني
لقاء خاص بجريدة "العلم"إعداد: عزيزة رحموني
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا للحد من انتقال الوباء ، لكن التواصل لم ينقطع لاأن التفاعل استمر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. فهل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي للتفاعل؟ هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطنا للجميع"؟ هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، كيف يمكنها كسر حدة الحجر العالمي و أحراج الجائحة ؟
كيف يقيم المثقف سنة 2020 و كيف يستقبل 2021؟
تواصلُنا اليوم مع الناقدة د."سعاد مسكين" الباحثة في الادب الإلكتروني، لنتابع تفاؤلها :
فرض الحجر الصحي في معظم مدن وعواصم العالم "براديغمات "جديدة لتداول مشاعيّ للثقافة إذ شرعت مؤسسات ثقافية في إتاحة منتجات مجانية تشمل مختلف الإبداعات: الأدب، والموسيقى، والفنون ، والتشكيل وغيرها، يكفي أن تتوفر على هاتف ذكي أو حاسوب محمول وخدمات الشبكة العنكبوتية لكي تتمكن من الحصول على خدمات عن بعد تحقق لك الإشباع الروحي، والغذاء الفكري، والتهذيب الذوقي في زمن نعيش فيه انتظار هذا الذي يأتي ولن يأتي، زمن يعبر عن متاهة الإنسان أمام اللامتوقع واللامحتمل، فزمن كورونا زمن لا متناه، يفرض علينا احتمالات جديدة مبدؤها التجدد في العطاء والتفاؤل في الحياة من أجل بقاء روح الإنساني فينا.
وعلى الرغم من إكراهات الحجر، وحظر التجول، وإلزامية التباعد الاجتماعي، استطاع هذا الإنسان أن يقوي علاقته بالعالم الرقمي والافتراضي فبعدما كان يشكل له-فيما قبل زمن كورونا-ترفا، صار الآن ضرورة اجتماعية اقتصادية وإنسانية، وأضحت لازمة "عن بعد" لازمة تواصلية راهنة تتآلف حولها المؤسسات والمجتمعات والأفراد: تواصل عن بعد، مؤتمر عن بعد، تعليم عن بعد، سفر عن بعد، تبضع عن بعد، تدريبات رياضية عن بعد.... فهل تستطيع "عن بعد" تلك أن تعوضنا عن الأمسيات الثقافية والندوات المباشرة والاحتكاك المباشر بين الذوات والأفكار؟
لا يمكن أن نتجاهل انخراطنا في الثورة الرقمية، ولا يمكننا أيضا في خضم هذا الوضع الجديد أن نظل دون تفاعل اجتماعي، لهذا ازداد الإقبال على استعمال المنصات التكنولوجية، والوسائط الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل تحقيق النزعة الإنسانية التي تجعل الإنسان كائنا اجتماعيا بطبعه، لا يمكنه أن يعيش العزلة أو الوحدة أو التباعد. إلا أن هذا التواصل الاجتماعي والتفاعل الافتراضي لا يمثل الثابت بقدر ما يشكل المتحول لأن الثابت يتجسد في الروابط الاجتماعية التي تقوم على الوجود بالفعل وبالقوة ذاتا وفكرا، وجسدا وروحا، ولا يمكن استبدال العلاقات الإنسانية الحميمية والدافئة باللقاءات والسلامات والتوديعات والتبريكات والمواساة بنظم رقمية. ونأمل أن يُرفع وباء كورونا لكي تعود الحياة إلى سابق عهدها، وإن كنا نتساءل بالفعل: هل ستعود الحياة كما كانت من قبل زمن كورونا؟ وهل سنعود نحن أيضا كما كُنا بعدما انغمسنا في المجتمع الرقمي؟
لقد حاولنا من خلال الفعل الثقافي والمنتج الإبداعي أن نحقق لأنفسنا الاستقرار النفسي والأمن الصحي، وحاولنا أن نتغافل عن تلك الإخبارات التي تغرق في إحصاء عدد الموتى والمصابين والمعافين. وجعلنا من القراءة والكتابة حِصْنا نحتمي خلفه من فوبيا الفيروس اللعين. وتحدينا الحجر الصحي عبر إرساء حجَر التفكير في المشاريع النقدية التي كانت مركونة، وإعادة التأمل في بعض القضايا الأدبية التي ما زالت تحتاج للتقصي والاستقصاء. نأمل أن يكون العام الجديد عام انفراج هذه المشاريع وولادة أخرى، وعام المقاومة الثقافية والفنية لهذا الوباء.
عبدالحميد شوقي-جريدة العلم
بين المحبس الكوروني والانفتاح الالكتروني
لقاء خاص بجريدة "العلم"إعداد: عزيزة رحموني
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا للحد من انتقال الوباء ، لكن التواصل لم ينقطع لأن التفاعل استمر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. فهل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الإفتراضي للتفاعل؟ هل صارت مواقع التواصل الإجتماعي " وطنا للجميع"؟ هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟ الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، كيف يمكنها كسر حدة الحجر العالمي و أحراج الجائحة ؟ كيف يقيم المثقف سنة 2020 و كيف يستقبل 2021؟
تواصلُنا اليوم مع
الروائي الشاعر عبدالحميدشوقي
نهائيا لا يمكن للافتراضي أن يعوض الواقعي الحي لأن المثقف محتاج لوضعية معيشة يلامس من خلالها علاقاته الفعلية بالآخرين كمتلقين ونقاد ومشاركين في التجربة الثقافية..
ولذلك لا يمكن اعتبار مواقع التواصل الافتراضي وطنا بديلا للوطن الحي كشمس ونهار ومقاه وأصوات بشرية تقتحم عالم المبدع وتتحول إلى أصوات متخيلة ولكن بحمولة حية.
أنا لحد الآن لم أشارك في أية أمسية افتراضية ولا يمكنني أن أشارك فيها لأنها تفتقر لصدى المتلقي ولشعوره المباشر وانطباعه اللحظوي غير القابل للاستدراك على عكس الملتقيات الافتراضية التي تحس فيها بثقل الحضور الرقمي الآلي المفتقد لعفوية اللحظة وزخمها.
إن كان لكورونا من إيجابيات فهي أنها حولت العالم إلى ضمير واحد وربما إلى أساس لثقافة مشتركة تعكس هموم الإنسان وقلقه إزاء طارئ صحي مباغت وكيف يمكن استثمار كل المجهودات الإنسانية لمواجهة الجائحة على عكس الأوبئة القديمة كالطاعون والكوليرا التي كانت ذات صدى إقليمي محدد وليس كونيا... الآن أدرك الإنسان أنه ليس في مأمن من أي خطر صحي يأتي من أصغر فيروس متناهي في الصغر وعليه أن يتنازل عن كبريائه الموروث عن ديكارت والذي صور له أن بإمكانه أن يكون سيدا ومالكا للطبيعة.
أريد أن أنسى تماما سنة 2020 بكل مصائبها رغم أن العزلة الصحية أتاحت لي أن أقرأ كثيرا وأنتج وأنقح بعض أعمالي الإبداعية.. وأتصور سنة 2021 على شكل مدينة يونانية تلوح خلف أسوار الحجز الوبائي تفتح أسوارها لأسئلتي وشغبي وفرحي بالسير فوق طرقاتها باحثا مثل ديوجين عن ذاتي...
Dernière édition par Admin le Ven 12 Fév - 12:50, édité 1 fois
مليكة الجباري-جريدة العلم
بين المحبس الكوروني والانفتاح الالكتروني
لقاء خاص بجريدة "العلم"إعداد: عزيزة رحموني
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا للحد من انتقال الوباء ، لكن التواصل لم ينقطع لاأن التفاعل استمر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. فهل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي للتفاعل؟ هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطنا للجميع"؟ هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، كيف يمكنها كسر حدة الحجر العالمي و أحراج الجائحة ؟
كيف يقيم المثقف سنة 2020 و كيف يستقبل 2021؟
تواصلُنا اليوم مع
الشاعرة مليكة أجباري
فرضت الجائحة مخالبها على حياتنا بالحجر والتباعد ، فكان لابد من البحث عن إمكانية أخري للتواصل
وربط جسر إنسانيتنا بشكل فعال وطبيعي بهدف تقريب أفكارنا ، وتدبير الاختلاف بكل أشكاله .
توظيف تقنية التواصل الاجتماعي كان ضرورة ملحة دون تفريط ولا إفراط . ومن منظوري كفاعلة تربوية ،
فالوضع ساهم في تنمية مفهوم الإستقلالية ، وتقليص الفارق بين الخيارات الممكنة لإنجاح الرؤى والمشاريع
وسط الجماعة أو خارجها.
كما عزز لدى الطالب ، القدرة على تحمل مسؤولية بعض الخيارات إلى جانب تقبل الخسائر في حالة التعثر،
وهذا ساعده بشكل من الأشكال في إعادة الثقة بقدراته عن طريق ترتيب أفكاره بشكل صحيح يتوافق والمطلوب منه .
وربما كان الإعلام الجاد له نصيب كبير في تحفيز المجهود الاجتماعي ، و تجاوز الوضع المربك ، وتقليص
دور حاملي الشواهد والمحتكرين لمنصة التوجيه والإرشاد .
فأصبح الفاعل الحقيقي في تحقيق طفرة التنمية ، هو ذاك الذي استطاع أن يفكر خارج الصندوق ، مبرزا الإمكانيات
الإبداعية ، والطاقات الخلاقة بأقل جهد وتكلفة .
الوضع المستجد أربك الكثير من الحسابات ، و قلب الطاولة على نمطية التفكير ، الذي تعودناه من قبل في
البحث عن المعلومة ، والتعامل معها بشكل منطقي وعقلاني .
لقد وضعنا وجها لوجه لقبول وطن العالم الافتراضي ، وكل وسائل التواصل الرقمي . والمثقف ليس في منأى عن
هذا الواقع ، باعتباره ضمير الوطن والأمة ، فكل الموجودات لها ذات تخصها .
للنار فعل الحرق ، وللماء فعل الإخصاب ، وللمثقف فعل خلخلة نمطية احتكار الوعي وتبليد الأفكار، فأصبح
حضوره ضروري في قلب العالم الافتراضي ، الذي لا يمكن القبول به كحل نهائي ، وكمنصة كافية لتمرير رسائله ،
وعن سؤال كيف استقبلنا رحيل سنة 2020 ...؟
أقول : ودعتها برحابة صدر، لأن من طبيعة الإنسان أن يضجر من كل ما هو موجع وسلبي .
واستقبلت السنة الجديدة 2021 بابتسامة عريضة ، وتوجس خفي .
ربما تجربة الوضع الكوروني علمنا الحذر، وعدم التسليم بمصداقية الخطوط المستقيمة لكل ما هو قادم نحونا .
محمد العمراوي شاعر مترجم
بين المحبس الكوروني و الانفتاح الالكتروني" ...
محمد العمراوي – شاعر ومترجم مغربي مقيم في فرنسا
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا للحد من انتقال الوباء ، لكن التواصل لم ينقطع لأن التفاعل استمر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
هل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي للتفاعل؟
في شهر مارس للعام الماضي 2020 اكتشف الناس كلمة "حجر" وبعد مدة قصيرة أصبحت هذه الكلمة التي كانت محجورة في القاموس اكثر استعمالا. اكتشفنا مدى قسوة معناها، واكتشفنا في نفس الوقت ان الحقيقة البديهية التي أعطاها ابن خلدون كأساس لعلمه وهي ان الانسان كائن اجتماعي بديهية في خطر وعلينا اكتسابها من جديد. البشرية طبعا عرفت في تاريخها عدة أوبئة وتحدث ابن سينا في القرن الرابع الهجري عن معنى وضرورة الحجر الصحي ولكننا نواجه هذا الآن على مستوى الكرة الأرضية في وقت اعتدنا فيه ان يكون التواصل بين الناس أكثر سهولة لسهولة الشروط الحضرية والثقافية والتكنولوجية. اعتدنا إذن ان التواصل الاجتماعي الفعلي اليومي الذي هو شيء بديهي أصبح غير بديهيا وعلينا إيجاد الطرق لإيجاده. أدوات الاتصالات التكنولوجية كالهاتف وشاشات الحاسوب التي هي عادةً مكمِّلة وإضافية للاتصالات الفعلية أصبحت تهدد أن تصبح هي الأساس، حيث يكون الافتراضي هو المحور الذي تدور حوله العلاقات الاجتماعية وتبدو هذه الأخيرة هي الأخرى افتراضية أي ان الحضور الفعلي أصبح فقط مرغوبا لأن الحضور الافتراضي أخذ مكانته.
هذا التفاعل الافتراضي أخذ بعدًا ومكانة كبيرتين في يومي الناس قبل وباء الكورونا، إذ انّ شبكات الاتصال عبره أخذت نعت "الاجتماعية"، بمعنى ان الاجتماع بين الأفراد أخذ شكلاً مُحتملاً يكاد من شِدّة ممارسته أن يكون ملموسا. والوباء جعل حقله أكثر اتساعًا وأكثر ضرورة. فهو يبدو كاستمرار افتراضي لتفاعل اجتماعي فعلي.
نجد نفسنا إذن في حالة تناقض : التفاعل الإلكتروني ينافس التفاعل الفعلي حين يهددهً بالسيطرة على مكانته او احتلال حقله، وفي نفس الوقت هو يُخفّف من وطأة غيابه. فكلما غاب الحضور الفعلي، كلما حضر الافتراضي كشكل من المقاومة ضد الغياب. علينا إذن ان نجعل من هذا التناقض المظهري تكاملاً.
هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطنا للجميع"؟
هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
أصبحت الحقول الثقافية والفنية التي يجتمع الناس فيها ويؤسسون علاقاتهم فيها أيضا مجالاً للسؤال خلال الحجر والأزمة الصحية : هل هي أساسية وضرورية لتأسيس العلاقات أم لا ؟ وهو سؤال يثير النقاش والجدال بين الناس ثم بين الناس والحكومات في العالم. هل يمكن تقليص الأساسي إلى بعض الغرائز الأولى كالأكل والشرب (الخروج من البيت فقط لشراء ما يؤكل ويشرب...) أم علينا تمديده الى منتوجات الفكر والخيال ؟
نستطيع التأكد على أيّ ان الثقافة والفن عناصر أساسية لتكوين المجتمعات وأنها تحتاج ان تُلمس بشكل مادي وحضوري وليس فقط عبر الشاشات مع ان الكل لا يمتلك الأدوات التكنولوجية. لكن هذه الأخيرة كما قلت فيما قبل تكملة واتساع للأولى. ففي الوقت الذي لا أستطيع فيه الصعود على الخشبة امام الجمهور، أستطيع عبر فيديو التواصل مع من لم يكن باستطاعته الحضور الفعلي. الشبكات الإلكترونية "الاجتماعية" تجتاز حدود الدول.
اذ أستطيع انا في فرنسا ان التقي بآخرين في المغرب وفي مدن وبلدان أخرى عبر تداول وتقاسم الفيديو مثلاً.
مواقع الاتصال الاجتماعي أصبحت فضاءً يومياً يسهل نشر العمل الفني والإخبار بما يُنتج، بالرغم من كونه يفرض "تصفيته" من كل الطفيليات. هذا شيء اكيد ومهم. ولكن هناك بعضا من الانشطة الثقافية والفنية التي من الصعب ممارستها من خلال التواصل الافتراضي.
الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، كيف يمكنها كسر حدة الحجر العالمي و إحراج الجائحة ؟
أعمل منذ سنوات في حقل الورشات الكتابية في عدة مؤسسات. والحقيقة ان تنشيط الورشات عبر الشاشة صعب خصوصا حين يكون اللقاء مع الجمهور المشارِك لأول مرة، ولهذا نحاول فقط التأقلم. ومع جمعية تسمى Dans tous les sens قررنا ان نعطي لمنتوجات هذه الورشات بعدا اخر عبر أمسيات وقراءات للمشاركين تتوجه الى جمهور أوسع من خلال بثها في الفيديوهات. فعادة تتم هذه القراءات في مقاهي او على خشبات امام أربعين أو خمسين شخصاً، واكتشفنا ان تلقي الفيديوهات بلغ أكثر من سبع مئة شخصا. فنستطيع اذن بعد الكورونا ان نعمل القراءات بالحضور الفعلي للجمهور وفي نفس الوقت بثها عن طريق الشبكات الاجتماعية أو اليوتيوب .
هكذا اذن يمكن في بعض من الحالات القابلة لذلك ان نجعل الافتراضي استمراراً وتكملةً للحضور الفعلي عوض ان يكن نقيضاً أو منافساً له.
كيف تقيم 2020 و كيف تستقبل 2021
أتمنى ان تكون سنة 2021 هذه مجالاً لتجريب هذا التكامل وجعل العلاقة بين الافتراضي والفعلي أو الحضوري علاقة فنية وجمالية تقرّب البعيد وتوسّع الافاق.
*-*-*-*
حاورته: عزيزة رحموني
Mohamed Ferri محمد فرّي
سلسلة حوارات خاصة ب جريدة العلم المغربية إعداد عزيزة رحموني
بين المحبس الكوروني و الانفتاح الالكتروني" "
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا لِلْحَدّ من انتقالِ الوباء ، لكن التواصلَ لمْ ينقطع لأن التفاعل اسْتمَر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، أليست الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، قادرة على كسر حدة الحجر العالمي و احراج الجائحة و في نفس الوقت، هل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي للتفاعل؟
و هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطنا للجميع"؟
هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
و كيف يُقيِّم المثفقف سنة 2020 و كيف يسْتقبل سنة 2020
فيما يلي نتابع القاصّ محمد فرّي
لايختلف اثنان في كون الجائحة ظاهرة غيرت الكثير من العادات المألوفة؛ وأهمها انحسار التواصل والتقارب المباشر. وهذا ما أثار تساؤلات ونقاشات حول مدى قدرة التفاعل الإلكتروني والتواصل الافتراضي على ملء الفراغ وطرح بديل مسعف لتواصل جيد وواضح..
ولعل المسألة هنا لاترتبط مباشرة بآثار الجائحة؛ بل نجد ظاهرة زحف التواصل الإلكتروني قد فرضت وجودها قبل زحف الوباء؛ وتجلى ذلك في انتشار المواقع الإلكترونية؛ وإقبال الكثيرين عليها باعتبارها منابر تواصل ثقافي ووسائل تعبير حرة عوضت المنابر الورقية التي كان بعض الكتاب أو المسؤولين عن الكتابة يملكون مفاتيحها ..
وهكذا فرضت الكتابة النتية وجودها رغم محاولة بعض الأوصياء محاربتها والحد من انتشارها؛ بل نجد الكثيرين من هؤلاء الأوصياء قد رفعوا الراية البيضاء وأصبحوا من أعلام الكتابة الرقمية.
وقد كنت شاهدا مباشرا في زمن سابق على توتر وصراع بين كاتب ورقي وكاتب رقمي في لقاء كان يلقي فيه الثاني عرضا حول الكتابة الرقمية.. وانتهى الحدث بانفضاض الجلسة وانتهاء اللقاء..
ولعل ما يهمنا هنا في سياق الموضوع المطروح؛ هو التساؤل حول مدى قدرة الناس على تجاوز إكراهات الحجر الصحي؛ لخلق تواصل بديل عن طريق العالم الافتراضي؛ إذ الحاجة إلى التعبير والتواصل و التقارب أمران ضروريان يصعب الاستغناء عنهما..
ولعل الدور الذي لعبه العالم الرقمي في هذا المجال قد فاق كل التوقعات؛ فالاستهلاك المتزايد للعالم الافتراضي؛ والذي مارسه الناس بسبب الحجر الصحي المنزلي؛ أكد التغير الكبير والمتطور المتجلي في استخدام التكنولوجيا الرقمية كوسيلة اتصال ناجحة؛ وكتجربة جماعية فريدة من نوعها؛ ولعلها تجربة فاقت كل مألوف سابق اعتماده الناس في طرق تواصلهم.
هكذا عرف الإقبال على برامج التواصل الرقمي تزايدا كبيرا ونجاحا فائقا تجاوز الإقبال المعتاد على اللقاءات الواقعية السابقة..
فالكثير من الجمعيات والشركات والمؤسسات المختلفة التوجهات أقبلت على البرامج الرقمية التواصلية لتحقيق لقاءات افتراضية منعت الجائحة تحقيقها في عالم واقعي؛ وهذا بدوره دفع بشركات الاتصالات إلى تطوير تقنياتها استجابة واستغلال لسوق جديد تضاعفت طلباته؛ مؤكدا تحولا كبيرا في مجال أصبح ملحا وحيويا..
فشركة zoom على سبيل المثال؛ عرفت تحقيق أرباح تضاعفت عشرات المرات خلال السنة الماضية 2020..
وأكدت مؤسسات إحصائية أرقاما هائلة تترجمها نسب استهلاك المجال الرقمي في عهد الجائحة.
كل هذا يؤكد المقولة المعروفة: ( رب ضارة نافعة )؛ فالجائحة تركت آثارا مأساوية طبعا؛ وخلفت خسائر بشرية واجتماعية واقتصادية وسياسية لايمكن نكرانها؛ لكنها في الوقت نفسه؛ أكدت أن عالمنا يعيش وسيعيش تطورا رقميا هائلا؛ فرضته الحاجة إلى بديل يتجاوز كل مطبات العالم الواقعي..
ونعود إلى تساؤلاتنا السابقة حول مدى اعتبار العالم الافتراضي بديلا ناجحا لعوائق أثرت على اعتماد عالم واقعي؛ لنقول إن التجربة أكدت تفوقا وانتصارا للرقمية الحديثة؛ وعزاء مساعدا للبشرية في مقاومة وباء بنى سدودا وحواجز أمام تواصل ضروري منشود.
نعم.... حقق العالم الافتراضي نجاحا باهرا؛ وأكدت الجائحة ازدياد الحاجة إليه؛ باعتباره بديلا لا مفر منه.
ونتساءل مجددا وأخيرا: كيف ودعنا سنة 2020؛ وأسارع مذكرا بكونها سنة تميزت بظاهرة وبائية مخيفة؛ عايشناها بالأيام والشهور؛ ننتظر الذي يأتي ولايأتي؛ وأقصد التوقع المستمر لانتهاء الجائحة؛ لكنها أبت إلا أن ترافقنا طيلة السنة؛ وتفرض علينا حصارا منزليا ألزَمنا بمواقيت محددة لانغادر فيها بيوتنا؛ خوفا من وحش مفترس فقدنا بسببه الكثير من معارفنا وأصدقائنا؛ وحُرمنا من التنقل خارج حدود مدننا... هي سنة الحصار بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ وسنة حرب عانى الجميع من ويلاتها والحذر من مخلفاتها..
وتأتي سنة 2021؛ ويأتي معها هاجس الترقب والتوجس.... ثم الأمل في انبلاج فجر جديد ينير العتمة؛ هي سنة الانتظار والتوقع؛ وترقب التحرر من أغلال كبلتنا بها السنة الماضية
Dernière édition par Admin le Mer 10 Mar - 15:20, édité 1 fois
أحمد العمراوي شاعر مغربي
بين المحبس الكوروني والانفتاح الالكتروني
لقاء خاص بجريدة "العلم"إعداد: عزيزة رحموني
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا للحد من انتقال الوباء ، لكن التواصل لم ينقطع لاأن التفاعل استمر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. فهل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي للتفاعل؟ هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطنا للجميع"؟ هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، كيف يمكنها كسر حدة الحجر العالمي و أحراج الجائحة ؟
كيف يقيم المثقف سنة 2020 و كيف يستقبل 2021؟
تواصلُنا اليوم مع الشاعر
أحمد العمراوي
التغيرات الثقافية في زمن الكوفيد المعظم.
التواصل الثقافي البارد
هل تُغيِّر الثقافةُ العالمَ حالياً أم هل سيغيِّر العالمُ الثقافةَ؟ سؤال عريض يصعب الإلمام بمفاهيمه الأساس بحكم التغيرات المفاجئة الّتي حصلت على التواصل عالمياً ومحلياً. الثقافة. العلم. التواصل. التغيرات. كل مفهوم يرتبط بمحليته بما أن الثقافة العالمية ليست سوى ثقافة المحلي في الأصل. هذا على الأقل ما علمتنا التجارب الثقافية في الأدب والعلوم الإنسانية منذ غابرييل غارسيا ماركيز ونجيب محفوظ ومحمد شكري وآخرون كثر. فلكي تكون عالمياً عليك أن تكون محلياً أولاً، وبعدها يحصل الانتشار الكبير عالمياً.
تَحدثُ الحيرة مع هذا التحوّل الكبير الّذي لحق بالعالم كله طيلة سنة 2020. سنة الجائحة، والجائحةُ هي كل ما يأتي على الأخضر واليابس مادياً ومعنوياً، فما الّذي تغيّر في الفكر والواقع خلال هذه السنة؟
تأثرتِ الثقافةُ أكثر من غيرها على المستوى العالمي بالاجتياحات المتتالية لكوفيد 19. أُغلقت المسارح ودور العرض، ومازالت الأنشطة الثقافية الحضورية معلقة من معارض للفنون وللكتاب، ومن ندوات ومؤتمرات ثقافية. تقلصت لغة الجسد. لغة حارة تحقق التواصل بأزيد من 70% عن لغة الكلام. لقد أصبحنا نتحدث من وراء حجاب حتى في اللقاءات المباشرة بحجب الفم والوجه بكمامة يُغرم من تجاهل ارتداءها. تباعدٌ مفروض للمحافظة على الذوات الجماعية ومن أجل بقاء فرضَتْه السلطة الجماعية. والكائن الفردي الذي قيل عنه من زمان إنه كائن اجتماعي سيُعوِّض اجتماع العمران باجتماع الآلات الجديدة. اجتماعٌ عن بعد، فهل يمكن أن يكون هناك كائن اجتماعي عن بعد؟
عالمٌ افتراضي يعوض عالم اللقاءات المباشرة في التسوق والتعليم وفي الثقافة. ويحدث التفاعل، ويُصِرُّ المثقف على الحضور عبر المنصات بشكلٍ فردي أو من قبل مؤسسات. تُعقد لقاءات وتتم عن بعد دون كمامات، واللمس لا يحدث إلا عبر الآلة. آلةٌ باردةٌ لا تحقق تقاطعَ الأنفاس وحرارتها مباشرة. تعويض ضروري قد يدق ناقوس الخطر بالنسبة للتواصل التقليدي الذي تتقارب فيه الأجساد لحد تبادل القبل والعناق وتلاقي الأيدي.
وطنٌ جديد يسعُ الجميع، هذا هو الظاهر، إلا أن الكاتب والشاعر والمثقف عامة في حاجة للآخر. آخر هو من يؤشر على مصداقية الباثّ. المتلقي ضروري فهل يعوض الوطن الجديد الافتراضي الوطن الجسدي الحضوري؟
يحتاج المثقف والشاعر منه على وجه الخصوص إلى الصراخ في هواء طلق أو داخل قاعات مملوءة بجمهور ينتظر وينصت بشغف لإلقائه. الباثُّ يحتاج لنظرات الآخرين، لتحريك الرأس، لتصفيقات حارة تصل الأذن وتحقق متعةً تدخلُ الذّات وتحق الاستمرارية في الكتابة والإبداع. هي الزاد الذي يمد الكاتب بالقوة. يحدث هذا في زمن الكوفيد ولكن عن بعد. قد تتعطل الآلة الناقلة للتواصل في أوج نشوة التلقي مما يجعل الشاعر الحساس الشّاك يربط الأمر بالمؤامرة. مؤامرة عالمية ضد الشعر والثقافة والكتابة، فمهما كان التعويض فهو لا يشكّل إلا حلاًّ مؤقتاً، إذ لا بد من تبادل الأنفاس الحارة بشكل مباشر.
أمسياتٌ شعرية يتقوت بها المؤلف المثقف الشاعر الفنان. أمسياتٌ حضورية ستُعوَّض بأمسيات من نوع جديد، فالافتراضي الإلكتروني يعوض الحضوري للضرورة التي قد تصبح هي الأصل لا المعوِّض. هل يتم كل هذا من أجل المحافظة على سلامة الجسد من الاختلاط؟ قد يسلم الجسد في حالتنا هذه ولكن النفسية ستصاب بالإحباط وربما بالاكتئاب، أمسيات جديدة لا يظهر فيها إلا ما تريده الآلة أن يظهر لك. لا أحد يمنعك بالخروج من القاعات الافتراضية، فالمتحكم هو المتلقي لا الباث. لقد تمت بالفعل أمسيات افتراضية دعت لها مؤسسات وجمعيات ثقافية في المغرب وفي كل أنحاء العالم، ولكنني أكاد أجزم بالنسبة للمغرب وفي اللقاءات الثقافية التي تمت أن نسبة عالية منها كان فاشلاً على مستوى التفاعل التواصلي الحقيقي ما دامت الآلة هي المتحكم لا الجسد، وما دام الجسد في صراع مع الكوفيد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.
وتأتي الجائحة. وتكون هي السبب في كل هذا. جائحةٌ لا حدود لها دفعت الناس لتغيير عاداتهم مع أنفسهم أولاً قبل تغييرها مع الآخرين، أقرباء أو أباعد. الكل رهين محبسه الضروري، حيث من الحسنات اختصار مسافة التنقل للقاء قد يتجاوز الحدود المفروضة على المجتمعات. ولكن، كم لقاء تواصلياً إلكترونياً تم بين أفراد مجتمعات مختلفة اللغة والثقافة والعادات؟ إذا استثنينا ما يتم عبر منصات التواصل الخاصة بالأمم المتحدة أو عبر تواصل إعلامي بين الدول في قضية جديدة طارئة، فلا شيء حدث على مستوى الثقافة، وكأن قدر الثقافة هو التواصل المباشر لا غير.
لقد أصبحت الثقافة أكثر محلية وكأنها عادت لحالتها الأصلية. أصبح المثقف المحلي يسعى بكل الوسائل لبث صوته للآخرين، صارخاً: ما زلت هنا، ما زلت أكتب، ما زلت أفكر في قضايا المجتمع والذات والناس، ورغم ذلك نتساءل: كم فرداً تابع لقاءات شعرية مثلاً، تمت عبر منصات معينة؟ أكاد أجزم أن الحضور الافتراضي كان معدوداً على رؤوس الأصابع. حضور اللقاءات عادة يتم لحاجة. حاجةُ لقاء بالآخر بشكل مباشر لتوقيع كتاب، للحديث بشكل مباشر بين مثقف وقارئه، لأخذ صور ستنشر عبر الشبكات التواصلية، وهذه الآلات الباردة ستعوض ما لا يعوض، فهل تحتاج هذه الآلات الإلكترونية لروح لتؤثر أكثر؟ علما أن هذه الآلات قد زادت في عزلة الكاتب وانطوائه.
هي الجائحة إذن التي تأتي على النفْس والنفَس. وقد أخر التواصل الإلكتروني المسمى عن بعد الجائحة قليلاً وانتشارها ولكنه لم يقض عليها لحد الآن.
2020 بصفريها ورقميها المزدوجين مرت ولم تمر. مرت في الزمن ولكنها لاصقة في نفسية المثقف ويصعب التخلص من تبعاتها إلا بمجهودات فردية وصبر جماعي يحمل يقين الانتصار، ومع ملامح القضاء على الجائحة من طرف العلماء لا المثقفين، قد يبدو ضوء ضئيل في الأفق سيجعل الكاتب والشاعر متأملاً. يقف في المشهد يسترجع كل الانكسارات، ويحصي خساراتها باحثاً عن ربح آخر. ربح تواصلي، سيتم حتماً من طرف الشاعر. أليس الشاعر هو آخِرُ من سيبقى على وجه الأرض كما عبر عن ذلك سيجموند فرويد ذات زمن؟
لقاء خاص بجريدة "العلم"إعداد: عزيزة رحموني
فجأة تفشى وباء كورونا في العالم فانحسر التقارب الإنساني تفاديا للحد من انتقال الوباء ، لكن التواصل لم ينقطع لاأن التفاعل استمر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. فهل يمكن أن يكتفي المثقف بالعالم الافتراضي للتفاعل؟ هل صارت مواقع التواصل الاجتماعي " وطنا للجميع"؟ هل يمكن للتفاعل الإلكتروني أن ينفي الأمسيات الثقافية؟
الثقافة في كل الأحوال رسالة عابرة للحدود، كيف يمكنها كسر حدة الحجر العالمي و أحراج الجائحة ؟
كيف يقيم المثقف سنة 2020 و كيف يستقبل 2021؟
تواصلُنا اليوم مع الشاعر
أحمد العمراوي
التغيرات الثقافية في زمن الكوفيد المعظم.
التواصل الثقافي البارد
هل تُغيِّر الثقافةُ العالمَ حالياً أم هل سيغيِّر العالمُ الثقافةَ؟ سؤال عريض يصعب الإلمام بمفاهيمه الأساس بحكم التغيرات المفاجئة الّتي حصلت على التواصل عالمياً ومحلياً. الثقافة. العلم. التواصل. التغيرات. كل مفهوم يرتبط بمحليته بما أن الثقافة العالمية ليست سوى ثقافة المحلي في الأصل. هذا على الأقل ما علمتنا التجارب الثقافية في الأدب والعلوم الإنسانية منذ غابرييل غارسيا ماركيز ونجيب محفوظ ومحمد شكري وآخرون كثر. فلكي تكون عالمياً عليك أن تكون محلياً أولاً، وبعدها يحصل الانتشار الكبير عالمياً.
تَحدثُ الحيرة مع هذا التحوّل الكبير الّذي لحق بالعالم كله طيلة سنة 2020. سنة الجائحة، والجائحةُ هي كل ما يأتي على الأخضر واليابس مادياً ومعنوياً، فما الّذي تغيّر في الفكر والواقع خلال هذه السنة؟
تأثرتِ الثقافةُ أكثر من غيرها على المستوى العالمي بالاجتياحات المتتالية لكوفيد 19. أُغلقت المسارح ودور العرض، ومازالت الأنشطة الثقافية الحضورية معلقة من معارض للفنون وللكتاب، ومن ندوات ومؤتمرات ثقافية. تقلصت لغة الجسد. لغة حارة تحقق التواصل بأزيد من 70% عن لغة الكلام. لقد أصبحنا نتحدث من وراء حجاب حتى في اللقاءات المباشرة بحجب الفم والوجه بكمامة يُغرم من تجاهل ارتداءها. تباعدٌ مفروض للمحافظة على الذوات الجماعية ومن أجل بقاء فرضَتْه السلطة الجماعية. والكائن الفردي الذي قيل عنه من زمان إنه كائن اجتماعي سيُعوِّض اجتماع العمران باجتماع الآلات الجديدة. اجتماعٌ عن بعد، فهل يمكن أن يكون هناك كائن اجتماعي عن بعد؟
عالمٌ افتراضي يعوض عالم اللقاءات المباشرة في التسوق والتعليم وفي الثقافة. ويحدث التفاعل، ويُصِرُّ المثقف على الحضور عبر المنصات بشكلٍ فردي أو من قبل مؤسسات. تُعقد لقاءات وتتم عن بعد دون كمامات، واللمس لا يحدث إلا عبر الآلة. آلةٌ باردةٌ لا تحقق تقاطعَ الأنفاس وحرارتها مباشرة. تعويض ضروري قد يدق ناقوس الخطر بالنسبة للتواصل التقليدي الذي تتقارب فيه الأجساد لحد تبادل القبل والعناق وتلاقي الأيدي.
وطنٌ جديد يسعُ الجميع، هذا هو الظاهر، إلا أن الكاتب والشاعر والمثقف عامة في حاجة للآخر. آخر هو من يؤشر على مصداقية الباثّ. المتلقي ضروري فهل يعوض الوطن الجديد الافتراضي الوطن الجسدي الحضوري؟
يحتاج المثقف والشاعر منه على وجه الخصوص إلى الصراخ في هواء طلق أو داخل قاعات مملوءة بجمهور ينتظر وينصت بشغف لإلقائه. الباثُّ يحتاج لنظرات الآخرين، لتحريك الرأس، لتصفيقات حارة تصل الأذن وتحقق متعةً تدخلُ الذّات وتحق الاستمرارية في الكتابة والإبداع. هي الزاد الذي يمد الكاتب بالقوة. يحدث هذا في زمن الكوفيد ولكن عن بعد. قد تتعطل الآلة الناقلة للتواصل في أوج نشوة التلقي مما يجعل الشاعر الحساس الشّاك يربط الأمر بالمؤامرة. مؤامرة عالمية ضد الشعر والثقافة والكتابة، فمهما كان التعويض فهو لا يشكّل إلا حلاًّ مؤقتاً، إذ لا بد من تبادل الأنفاس الحارة بشكل مباشر.
أمسياتٌ شعرية يتقوت بها المؤلف المثقف الشاعر الفنان. أمسياتٌ حضورية ستُعوَّض بأمسيات من نوع جديد، فالافتراضي الإلكتروني يعوض الحضوري للضرورة التي قد تصبح هي الأصل لا المعوِّض. هل يتم كل هذا من أجل المحافظة على سلامة الجسد من الاختلاط؟ قد يسلم الجسد في حالتنا هذه ولكن النفسية ستصاب بالإحباط وربما بالاكتئاب، أمسيات جديدة لا يظهر فيها إلا ما تريده الآلة أن يظهر لك. لا أحد يمنعك بالخروج من القاعات الافتراضية، فالمتحكم هو المتلقي لا الباث. لقد تمت بالفعل أمسيات افتراضية دعت لها مؤسسات وجمعيات ثقافية في المغرب وفي كل أنحاء العالم، ولكنني أكاد أجزم بالنسبة للمغرب وفي اللقاءات الثقافية التي تمت أن نسبة عالية منها كان فاشلاً على مستوى التفاعل التواصلي الحقيقي ما دامت الآلة هي المتحكم لا الجسد، وما دام الجسد في صراع مع الكوفيد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.
وتأتي الجائحة. وتكون هي السبب في كل هذا. جائحةٌ لا حدود لها دفعت الناس لتغيير عاداتهم مع أنفسهم أولاً قبل تغييرها مع الآخرين، أقرباء أو أباعد. الكل رهين محبسه الضروري، حيث من الحسنات اختصار مسافة التنقل للقاء قد يتجاوز الحدود المفروضة على المجتمعات. ولكن، كم لقاء تواصلياً إلكترونياً تم بين أفراد مجتمعات مختلفة اللغة والثقافة والعادات؟ إذا استثنينا ما يتم عبر منصات التواصل الخاصة بالأمم المتحدة أو عبر تواصل إعلامي بين الدول في قضية جديدة طارئة، فلا شيء حدث على مستوى الثقافة، وكأن قدر الثقافة هو التواصل المباشر لا غير.
لقد أصبحت الثقافة أكثر محلية وكأنها عادت لحالتها الأصلية. أصبح المثقف المحلي يسعى بكل الوسائل لبث صوته للآخرين، صارخاً: ما زلت هنا، ما زلت أكتب، ما زلت أفكر في قضايا المجتمع والذات والناس، ورغم ذلك نتساءل: كم فرداً تابع لقاءات شعرية مثلاً، تمت عبر منصات معينة؟ أكاد أجزم أن الحضور الافتراضي كان معدوداً على رؤوس الأصابع. حضور اللقاءات عادة يتم لحاجة. حاجةُ لقاء بالآخر بشكل مباشر لتوقيع كتاب، للحديث بشكل مباشر بين مثقف وقارئه، لأخذ صور ستنشر عبر الشبكات التواصلية، وهذه الآلات الباردة ستعوض ما لا يعوض، فهل تحتاج هذه الآلات الإلكترونية لروح لتؤثر أكثر؟ علما أن هذه الآلات قد زادت في عزلة الكاتب وانطوائه.
هي الجائحة إذن التي تأتي على النفْس والنفَس. وقد أخر التواصل الإلكتروني المسمى عن بعد الجائحة قليلاً وانتشارها ولكنه لم يقض عليها لحد الآن.
2020 بصفريها ورقميها المزدوجين مرت ولم تمر. مرت في الزمن ولكنها لاصقة في نفسية المثقف ويصعب التخلص من تبعاتها إلا بمجهودات فردية وصبر جماعي يحمل يقين الانتصار، ومع ملامح القضاء على الجائحة من طرف العلماء لا المثقفين، قد يبدو ضوء ضئيل في الأفق سيجعل الكاتب والشاعر متأملاً. يقف في المشهد يسترجع كل الانكسارات، ويحصي خساراتها باحثاً عن ربح آخر. ربح تواصلي، سيتم حتماً من طرف الشاعر. أليس الشاعر هو آخِرُ من سيبقى على وجه الأرض كما عبر عن ذلك سيجموند فرويد ذات زمن؟
Page 1 sur 1
Permission de ce forum:
Vous ne pouvez pas répondre aux sujets dans ce forum