مازن العليوي

* من الهندسة الكهربائية والإلكترونية إلى اللغة العربية وآدابها كيف تشابكت السبل في مسارك؟

ـ منذ الطفولة عشقت الأدب واللغة بنحوها وصرفها، كتبتُ الشعر قبل أن أتم المرحلة الابتدائية، وأقمت أول أمسية شعرية يوم كنت في الصف الأول الثانوي، غير أن الدراسة العلمية والضغط الأسري والمجتمعي حولا المسار في المرحلة الجامعية إلى الهندسة الكهربائية والإلكترونية في جامعة حلب وخلال تلك المرحلة لم أتوقف عن ممارسة النشاط الإبداعي من أمسيات وندوات ومعارض تشكيلية.. وما إن انتهيت منها عام 1988 حتى عدتُ للدراسة من جديد لأنال شهادة الدراسة الثانوية، ولكن في الفرع الأدبي هذه المرة، ثم تقدمت لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب، وبالتوازي مع عملي الهندسي، أنهيت الدراسة في كلية الآداب عام 1993، من غير أن تتوقف هوايتي الكتابية عبر الأمسيات الشعرية والنشر في الدوريات العربية.

* مازن العليوي حاليا معد برامج فضائية في المدينة الإعلامية في دبي متى و كيف دخلت ميدان الإعلام؟
ـ أواخر عام 1994 بدأتُ مرحلة جديدة تمثلت بالاغتراب إلى السعودية، وهناك تابعت النشاطات الأدبية والفنية والكتابة الصحفية لغاية عام 2000 إذ كنت من مؤسسي صحيفة "الوطن" السعودية في أبها بمنطقة عسير، وصدر عددها الأول في 30 سبتمبر 2000، وكانت بحق نقلة نوعية ليس في حياتي العملية بممارسة الصحافة من مركز رئيسي، وإنما على مستوى الإعلام السعودي، فوسّعت مساحات الحرية الصحفية، وصارت رائدة ومساهمة في التغيير على المستوى الشعبي. وفي صحيفة "الوطن" توليت رئاسة القسم الثقافي وقسم الرأي منذ أواخر عام 2001 ولغاية تقديم الاستقالة للانتقال إلى دبي منتصف 2010، انطلاقا من أهمية التغيير بعد عمل متواصل مدة 10 سنوات في مكان واحد. وكان لدي أكثر من عرض وظيفي في منطقة الخليج العربي. وفي اجتماع "المجلس الأعلى" لأسرتنا الصغيرة، طُرحت العروض للتصويت ضمن عملية ديمقراطية فاز بها العرض المقدم للعمل في المدينة الإعلامية في دبي في مجال إعداد البرامج الحوارية. فحزمنا أمتعتنا، وجئنا بعد نهاية العام الدراسي، لأبدأ رحلة جديدة أو لنسمها مغامرة، ولكن في المرة الأولى كنت منفردا، فيما يرافقني هذه المرة الحبيبة الزوجة عبير والأبناء بشر ولجين وليما..

* تقول في صفحتك على الفيس بوك:
(الوطن... حيث يمتد الدفء إلى خلاياك ويعرش الأحبة في مسافات جنونك)
هل ينصف الوطن العربي مبدعيه؟
ـ على الرغم من أنها ليست حالة شمولية، لكن في الغالب لم تنصف أوطاننا العربية المبدعين الحقيقيين الذين يفترض أن تكون مكانتهم أكبر والاهتمام بهم أكثر.. وبكل أسف نرى أن معظم من تحتفي الدول بهم وتكرمهم وتقربهم من مواقع القرار هم من يسمون لدى النخب بـ"مثقفي السلطة"، من الوصوليين والانتهازيين والمتسلقين والمنافقين.. أما كبار المبدعين والمثقفين فإن خطر على البال تكريمهم، فذلك يحدث كالعادة بعد رحيلهم عن الحياة.
* كنت مشرفا على قسم الكاريكاتير في صحيفة الوطن السعودية،... هل تستطيع القول إن حرية التعبير كانت مضمونة و آمنة؟
ـ قسم الكاريكاتير يتبع لقسم الرأي في الصحيفة، ما يعني أن أي كاريكاتير يعامل كمقال الرأي من حيث آلية الإجازة للنشر.. وهذا ما جعلني مشرفا على قسم الكاريكاتير.. أما عن حرية التعبير فمع القول بأن الحرية المطلقة أمر مستحيل في عالمنا العربي، أضيف أن صحيفة "الوطن" التي ما زلت كاتبا فيها لغاية اليوم كانت سباقة في تخطي الحدود المتعارف عليها، فتقدمت للأمام بمراحل وصنعت هويتها التنويرية والهوامش الجديدة من خلال رؤساء تحريرها وطاقمها التحريري.. وظلت مستمرة على نهجها برغم كل ما واجهت من ضغوط مجتمعية وإعلامية وإدارية.. لدرجة أنها شهدت عزل 10 رؤساء تحرير في 10 سنوات، وأعتقد أنه رقم قياسي لم يحدث في أي صحيفة أخرى.
* قيامك بإعداد كثير من الحلقات الحوارية الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لبرامج فضائية، من المؤكد أنه ترك ذكريات وبصمات في داخلك، هل لنا من بعض ما علق بذاكرتك من لحظات حلوة أو مرة؟

ـ أود التوضيح أن مهمة معد البرامج في الفضائيات تتمثل في اختيار محاور الحلقات والضيوف.. وإعداد سيناريو الحوار، والإشراف على التصوير والمونتاج إن تطلب الأمر في الحلقات المسجلة.. وترتيب مواعيد البث.. وهو يعمل مع فريق مساعد من مصورين ومخرجين....، أما المقدم والضيوف فهم من يظهرون على الشاشة. ما يعني أن اللحظات الحلوة والمرة تكون غالبا مع فريق العمل، أما الضيوف فتحدث معهم بعض المواقف، وأسوأ المواقف هي تلك التي يمارس فيها الضيف "المثقف" أو "السياسي" طقوس التعالي على الآخرين، مؤكدا ما يقولونه عن "برجه العاجي" الذي يقبع داخله.

* حين يسقط النصيف ماذا يحصل في خيمة حروفك؟ وإذا تداعى نشيج عنترة إلى أية عوالم تسافر بك الكلمات؟ حين يكون للشعر عبيره هل تسكر ريشتك وتنهل من وعيك تجلياته؟

ـ ها أنت تطرقين عالم الشعر الذي ألوذ به كلما لفحني المدى بهذيانه.. حين يسقط النصيف أشعر أن الأمة التي رضعنا حبها قد باتت قاب قوسين أو أدنى من النسيان، فيزداد الألم أكثر لأكتب عن النصيف الذي يسقط عن الأمة كما سقط عن زوجة النعمان طبقا لبيت النابغة.. وعلى امتداد الأزمنة ما زال الحال كما كان، والنصيف يسقط ويسقط...

أما نشيج عنترة فيسحبني إلى حيث يظهر متمرد في زمننا ليقول في قصيدة تداعياته:
أوقدْ ضرامك ذا غدي
يشتاق لهب الأمنيات
يصيح
تصطرع الزلازل في يدي
أوقدْ سألتك كي تضاء مفازتي
وتعود تنبجس الجذور
فأنثني مني إليّ
أحيلني عصفا يعاود في رؤاي تهجدي
واحلمْ إذا ما شئت
كم ناموا وأطياف التراب تفجرت
ومضا ورعدا صاخبا
عشقا يهامسُ عشقي الأزلي يثملني
فلا خمري سيرحل بالنشيج ولا شرابك من دمي
فاشرب لتدرك أنْ دمي
"مر مذاقته كطعم العلقمِ"
وأما الوقت الذي يكون فيه "للشعر عبيره" فتسكر الريشة وتنبثق التجليات من الوعي، فهو حين أخاطبها:
(حطت على لغة القصيد
فأورقت عشقا
تماوج في الصباحات العذوبة
وارتدت صور المساء
ولونت أنفاس حلم الليل
ثم ذابت في بحار القلب واحتوت الهديرْ
للصبح أغنية
ولي نبضٌ يواعد في خلايا القلب ملحمةً
وللشعر العبير)
* للتشكيل هوى في نفسك، كيف تزاوج بين ميولاتك الفنية والأدبية وأيها أقرب إلى حفيف قلبك؟

ـ على الرغم من أن العمل الإعلامي أبعدني عنه في كثير من الأيام، لكن الشعر يبقى هو الجنون الذي يرتحل في خلاياي.. وأما الميول الأخرى من فن تشكيلي وخط عربي ودراسات نقدية.. وإعداد برامج فضائية، وهندسة كهربائية، فتتنحى جانبا إن حضر الشعر.
* للكلمات كما للألوان قدرة على تحريك المشاعر والانفعالات المكبوتة، وبمجرد انسكابها على الورق تنفتح علاقة تواصل بين الكاتب والقارئ المفترض، هل الامتداد نحو الآخر هدف بذاته أم هو تقنية لتأسيس جسر الخروج من أزمة الذات الكاتبة؟ هل الإبداع نواة أساسية "لتنفس" الكائن البشري؟
ـ لا أعتقد ان الامتداد نحو الآخر هدف، ربما يجذبه اللاوعي بعد الدخول في حالة الإبداع الكتابي أو اللوني.. فالمبدع حين يضع خطوطه الأولى، فهو حتما يريد تقديم الجديد والمدهش.. وبما أنه يبحث عن الإدهاش.. فلا بد أن يتخيل تلك اللحظة لدى المتلقى ما يعني أنه يصعب الفصل بين المبدع والفكرة والمتلقي..

بالإضافة إلى ذلك، أحسب أن كل إنسان يولد مبدعا.. والإبداع تتعدد وتتشعب مجالاته.. فإن وجد البيئة المناسبة ظهرت طاقته الكامنة.

* بعيدا عن المبدع نسأل الإنسان فيك: هل تعتقد أن العالم يسير في طريق التحرر؟

ـ الحرية هي الأصل، وأي وضع يخالفها انحراف عن ذلك الأصل.. من المنطقي أن العالم يسير في طريق التحرر من خلال ما نرى من أحداث وتطورات وتداعيات وأفكار ناضجة.. لكن المؤكد أن الحالة المثالية التي يحلم بها كل ذي فكر حر لا يمكن الوصول إليها.


* هل ستتمكن الثورات العربية من تحقيق أهدافها؟

ـ أخبرنا التاريخ أنه ما من شعب سعى للحرية إلا ونالها، وما من طاغية إلا وانهزم أمام إرادة الشعب..

لنتخيل المعادلة لو أن هذا الطرف انتهى أو ذاك انتهى، الوضع سيكون: إما طاغية بلا شعب.. أو شعب بلا طاغية.. وأحسب أن الحالة الثانية لها الديمومة لأن الطغاة أعمارهم قصيرة.. فيما الشعوب باقية إلى اللأبد.

كلمة اخيرة؟

شكرا للاستضافة على صفحات " اليوم بريس " الغراء وللزميلة عزيزة رحموني و اقترح عليكم هذه السطور=
في خلايانا جراحٌ لم نضمّدْها بـ(شاشْ)
في حكايانا ظلامٌ حطّ يوماً في الصباحاتِ وعاشْ
عمرُهُ الآلامُ فينا
طولُهُ صمتٌ دفينٌ فيه خوفٌ وارتعاشْ
موتُه صوتُ المساكينِ وضرباتُ الـ(كِلاشْ)

أجرت الحوار: عزيزة رحموني/ اليوم بريس