سمير سحيمي

سمير سحيمي:
ذات شاعرة تتقصّى الجمال في كلّ تصاريفه وتبحث عن المعنى المفارق، ذات شاعرة تنفطر وجعا وألما لما تشهد من ماس ومعاناة وظلم وقهر، الطفولة مؤثرة هذه الذّات ولاسيما أ نّ مرحلة الطفولة ارتبطت بالعيش في مدينة منجميّة صحراوية هي مدينة المتلوي في الجنوب الغربي من البلاد التونسيّة، ممّا جعل أحزان الكادحين الذين يصارعون الموت في كل يوم ولحظة، لحظات وعي بالمأساة التي يعاشرها الإنسان ويعايشها.
درس سمير سحيمي اللغة العربيّة وآدابها وتحصل على الأستاذية والماجستير، اشتغل بالتّدريس، من مشاغله الأكاديميّة والبحث في الشّعرية في الدّرس الحديث. أنجب أربعة كتب هي: "نوافذ الشّوق (شعر) سنة 1998، و"حبّات الرّمل" (شعر) سنة 2010، و"الإيقاع في شعر نزار قبّاني" (نقد) سنة 2010، و كتاب شعري مترجم « En Moi Pour tes yeux » ترجمة الشاعرة والمترجمة عزيزة رحموني.
الشعر بالنسبة لسمير سحيمي: أساس في الوجود لا تستقيم الحياة دونه، الشعر كامن في بسمة الطفل وحركة الفراشة والطير، في طلوع الشمس وغروبها، في إشراق القمر وفي رحلة اكتماله..، الشعر جمال وإحساس بالجمال، تعميق للمأساة وإحساس بالمعاناة، إحساس بالوجع الكامن في الذات، الشعر قوّة جماليّة، هو فنّ الرّقص بالكلمات، أرض الشّعر التي نبحر فيها هي تلك الأرض التي يدعو نيتشه إلى الإمساك بها باعتبارها قيمة للحياة. الشعر هو أن تنظر إلى الأشياء من زاوية فريدة لا يراها غيرك.
ما الذي دفع نبضك نحو الكتابة؟: الدّافع سرّ خفيّ لا تحيط به المعرفة، شيء ما بداخلنا يأسرنا حتى أنّنا لا نجد أمامنا إلاّ طريق الكتابة، لحظة الكتابة لحظة مكاشفة عوالم تقترب من مدار الجنون، "إطلالة على مدار الرعب" على حدّ عبارة محمد لطفي اليوسفي، إنه شغف بإنتاج المعنى، شغف مستميت لا يكف عن الحركة في ذواتنا، القصيدة تفرض وجودها لحظة ميلادها، فإذا جاء وقت مخاضها خرجت إلى الوجود، فإذا احتفينا بها ولدت في بهاء وجمال، وإذا انشغلنا عنها قليلا ولدت عليلة متثاقلة. لا بدّ من طقوس مميّزة عند كل كاتب، هذه الطقوس هي طقوس الروح تتراقص مع الحروف وتحتفي بها. الكتابة رقش بالروح، نقش على جدار القلب يستحيل نقشا على جدار الكتاب أو الصفحة الألكترونيّة.
ما هي روافد الإلهام بالنسبة إليك؟: عديدة روافد الإلهام ومتعدّدة، هي مشاهد وومضات في الوجود وفي الحياة، بسمة طفل باك أو ضاحك أو متأمل، جرح في جدار الصمت، وجه امرأة عميقة في شرفة العالم، صمت شيخ عليل أو صوت نوء مباغت يسعى أن يطهّر العالم من الشرور ولا يستطيع، لحظات في التاريخ ترحل إليها الذاكرة رغما عنها، حركة نمل في وادي بالصحراء، عطر الأرض، شطحات الرّوح وهي تكتشف الأسماء والأشياء. الصدق في النظر إلى الموجودات هي روافد الإلهام ممّا يجعل المتلقي يجد بعضا من ذاته في كتابتك، يكتشف العالم من جديد. يصعب حصر مصادر الإلهام بالنّسبة إلى شاعر في مراحل كتابته لكن يمكن ضبطها في ديوان شعريّ ما. ولعلّ مصادر الإلهام في ديواني الشعري الأخير" حبّات الرمل" هي الأوجاع والذاكرة والجمال، وتبقى مجرّد محاولة في التبويب والتّصنيف وتحديد مصادر الإلهام. تبقى المصادر متفرّعة متعدّدة على مدى التجربة الشّعريّة للشاعر، قد ينظما رافد ما وقد يعجز عن نظمها.
ما الذي يستطيعه الشّاعر كعنصر بناء في مجتمعه؟: على الشاعر أن يؤسّس لثقافة ما في مجتمعه، ثقافة الانتماء والاعتداد بالانتماء إلى المجتمع وإلى الوطن، ثقافة الإحساس بقيمة الآخر، ثقافة الاختلاف وما أحوجنا إلى التدرّب على هذه الثقافة لنطور مجتمعنا باعتبارنا لبنة من لبناته المتعدّدة المختلفة الساعية إلى التطور عبر التوافق والاختلاف. على الشاعر أن يؤسّس لثقافة الإحساس بالجمال، وهذا الإحساس بالجمال يوسّع آفاق الرؤية ويعطي معنى جديدا للحياة، لكنّ الشاعر يؤسّس للإحساس بالأوجاع وبالألم، بالحق في حياة أفضل وأجمل، سلطان الكلمة الحقّة يجعل الشاعر بانيا للمعنى، وهذا البناء للمعنى بناء عنصر من عناصر بناء المجتمع.
إن كنت فصلا....نهرا....زهرة.....أيّهم تكون؟: الزّهرة جمال وإبداع وإقبال على الحياة، والنهر حركة وجود وحياة وفيض وامتلاء، والفصل تعاقب وتداول وتجديد للمعنى مخالفة في المؤالفة، فأنا كل هذا معا، ولكن إذا كان لابدّ من الاختيار فالزّهرة تختزل النهر والفصل، بهما تكون وتنوجد، فالشاعر زهرة تنثر عطر المعنى في كل حركة وفي كل لحظة إنشاء.
كيف تعرّف الدّمعة؟: الدّمعة أصفى ما في الكون، الدّمعة صدق لا ينفذ، الدّمعة روح الإحساس الكاشف عن عمق في الوجدان يطاول أقصى الآفاق.
كيف تعرّف المطر؟: المطر مداد الوجود يكتب على أديم الأرض فيشكّل معاني الحياة ويبنيها وينثرها ويجلوها، المطر كتابة شعريّة باذخة تهبنا الرّعبة في مواصلة الحياة، في استمرار الكتابة.
كيف تعرّف الحياة؟: الحياة اكتشاف لمعنى جديد وبناء لرؤية لا تقطع مع الماضي، بل تبني عليه وتخالفه في آن، الحياة حركة دؤوبة إلى الأمام.
ما دور المثقّف في مجتمعه؟: المثقف صمّام الأمان في مجتمعه، رائد وقائم بدور التوعيه والإفهام والتعقّل وفهم الأشياء على حقيقتها، إنّه القائم بتحقيق التوازن، الناهض بوظيفة المعادل الوزني الرّاسم لخارطة طريق الحياة الاجتماعية التي لا تهمل مكونات المجتمع ولا تهمّش دور أيّ طرف من أطرافه، لكن لا بدّ أن يترك له مجال للقيام بدوره الرّيادي من كل الأطراف، كما أنّ عليه افتكاك هذا الدور بسلاسة وعمق. وممّا تجدر الإشارة إليه في هذا السيّاق إهمال الأحزاب السياسية في الوطن العربي للمشاريع الثقافية الحقيقيّة في برامجها ومشاريعها، وإن بتفاوت، ولا سبيل إلى النهوض بمجتمعنا دون إيلاء المثقف الدور الذي يستحق.
ما رأيك في الوضع العربيّ الرّاهن؟: مازال الوضع العربيّ الرّاهن في حال اعتلال ومرض ولا سبيل إلى تجاوز هذا الوضع دون ثورة في السياستين التعليميّة والثقافية، وتجاوز للتبعيّة في هذين المجاليْن، رغم التفاوت في نسبة الاعتلال بين الأقطار العربيّة. ما دامت كرامة الإنسان منتهكه ومادام التعويل على العنصر البشري محدودا في الوطن العربي فالوضع العربي يحتاج إلى علاج طويل المدى، مادامت الأمية مرتفعة، والتعلم الأعرج سائدا فالوضع العربي يفتقر إلى السلامة والصحة. لا بدّ من ثورة تصيب الوعي المترهل الراكد المجمّل للقبح وللعجز بأدوات الزينة وطبقات المساحيق المستوردة.
كلمة صدق لوطنك:
"شيئان في وطني قد خيّبا أملي الصّدق في القول والإخلاص في العمل"

شكرا على الانفتاح